آه لو يعود الزمن القهقرى. شوية قهقرى يعني مش أكثر. أي إلى وقت طفولتي. لكنت حرصت على تعلّم الإنكليزية والفرنسية بدلاً من اللف والدوران ما بين أساطير الزير سالم وعنترة العبسي وأبوزيد الهلالي. وإذا كان لدي من اللغة الإنكليزية ما يسد رمقي بخبزة حافة جافة، يأنف من التهامها اليتيم الفقير، ففرنسيتي "لا غيمة فيها ولا بارق ولا رعّاد".

Ad

ولو كنت أعرف الفرنسية لالتهمت صحافتها هناك وتلذذت بحرية كتّابها ومحرريها، ولتفسحت بين سطور أدبائها وخبرائها وهم يصلبون المسؤولين صلباً ويقصلونهم قصلاً (بالإذن من اللغة العربية)، ويقلّبونهم على جمر الغضا، فأستعيض بها عن صحافتنا العربية المنافقة الغبية.

والله الله لو "مشت معاي" وأصبحتُ كاتباً فرنسياً، وأصبح الشيخ أحمد العبدالله وزيراً للنفط والإعلام الفرنسي، على افتراض أن الفرنسيين أغبياء همج بَجَم، يقبلون وجود وزارة إعلام، ويستمتعون بمشاهدة "استقبل وودّع وكان في معيّة معاليه".

تخيلت ذلك، وتخيلت ماذا كنت سأكتب عن طريقة معاليه في إدارة الوزارات التي يتسلمها، والتي لم أرَ فيها أو أسمع عن إنجاز واحد نفاخر به وتغيظ به بناتنا قريناتهن الفرنسيات. فكل ما يفعله معاليه هو إطفاء الأنوار، ودعاء النوم، وقراءة المعوذتين، هصصصصص! وتخيلت ماذا كنت سأكتب عن النائب البطل علي الدقباسي الذي يعادل في سوق الصرف السياسي مئة وسبعة وثمانين وزيراً من أحمد العبدالله، ورغم ذا يتعالى النباح حول الدقباسي، وتتعالى الزغاريد حول العبدالله، الذي يُكتب تحت اسمه في الصورة الجماعية للحكومة "وجه من الحفل"، وتنسى أنه وزير، وإذا به بعد عامين أو أكثر "يفجؤك"، كما يقول طه حسين، بتصريح في حفل لإحدى السفارات الأجنبية عن علاقة الكويت المتينة بتلك الدولة، فتتساءل: "مَن هذا؟".

ولو أننا نتعامل مع الاستجوابات كما تتعامل فرق كرة القدم في مباريات النهائي، فنحضر "حكّاماً" أجانب يديرون مباراة الاستجواب، بعدما فقدنا الحيادية في برلماننا. تُرى كم ستكون النتيجة؟ وماذا سيكتب مراقب المباراة عن النائب والوزير والحكومة، وعن النواب الذين يعيشون في المناطق الرطبة المظلمة، ويقتاتون على استجوابات ضعاف الوزراء؟

على أنني لو كنت مكان النائب الدقباسي لاكتفيت بمحور واحد أسأل فيه معاليه أسئلة شاطئية لا تتطلب إتقان الغوص والخبرة البحرية: كم قطاعاً في كل وزارة؟ وكم وكيلاً مساعداً؟ وما هي طبيعة أعمالهم؟ وكم مادة في قانون المطبوعات الذي لم تطبقه وتسبب في كارثة كادت تقود إلى فتنة؟ وبس. ثم أجلس وأتركه يغرد بإجاباته، ويرسم البسمة الداكنة على وجوه الناس وهم يرون مستقبلهم في أيدي وزراء بهذه "العَظَمة". وإذا جاء دوري للتعقيب، فسأكرر ما قاله الفنان المصري محمد نجم وهو يقلد اللهجة الخليجية: "حياك الله بالخير"، ثم أتوكل على الله فأنوح وألطم.

وقد بلغني أمس، أن معاليه للتو أدرك أنها خطة حكومية مرسومة لقمع الحريات، وللتو انتبه أنه من سيدفع الفاتورة وهو لم يشترِ شيئاً، فغضب! وسّع صدرك طال عمرك وانزل إلى الميدان، فلم يعد يهم الناس غضبك ولا رضاك.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة