لم ينته بعد مسلسل استثمار الكويت في المصارف الأميركية المتعثرة، والخسائر المليارية التي تكبدتها من وراء هذا الاستثمار، حتى يبدأ مسلسل جديد بعنوان الاستثمار في شركات الطاقة النووية الفرنسية المتعثرة!
بـداية القـصـةفي 15 يناير 2010 نشرت الصحف الكويتية خبرا عن وكالة الأنباء الكويتية (كونا) من باريس، تقول فيه إن «هيئة الاستثمار» تنوي الاستحواذ على حصة أقلية في شركة «أريفا» (AREVA) الفرنسية لبناء المفاعلات النووية، والتي تمتلك أغلبية حصصها الحكومة الفرنسية، وفي تفاصيل الخبر ذكرت "كونا" أن الرئيسة التنفيذية لشركة «أريفا» قالت إن شركتها تسعى إلى الحصول على رؤوس أموال جديدة، وأنها منفتحة على المستثمرين الأجانب وخاصة الصناديق السيادية في الشرق الاوسط، وأن المحادثات الجارية حاليا مع الشركاء المحتملين قد وصلت الى المستوى الحكومي.لماذا الاسـتثمار- الآن- في شركات الطاقة النووية الفرنـسـية؟في خبر نشرته صحيفة «الجريدة» في بداية الأسبوع الماضي وتحديدا في 24 يناير 2010، نقلا عن خبر نشر في صحيفة نيويورك تايمز الأميركية في 21 يناير 2010، ذكر أن شركة «أريفا» الفرنسية- التي تنوي الكويت شراء حصة فيها- تواجه حاليا مشاكل في الإنتاج والعقود وبناء المفاعلات النووية، حيث أعلنت شركة «أريفا»- التي تملك الحكومة الفرنسية 91 في المئة منها- أنها ستضطر إلى إغلاق مفاعل نووي في فرنسا وتسريح 500 عامل منه إذا لم تقم شركة «إي دي أف» (EDF)، وهي شركة حكومية أخرى- تملك الحكومة الفرنسية 84 في المئة منها- بشراء الوقود من ذلك المفاعل، كما نصت العقود بين الشركتين.وذكرت الصحيفه أن هناك خلافا بين شركات الحكومة الفرنسية للطاقة النووية، ويعود سببه إلى عدم رضا رئيس شركة «إي دي أف» على قيام الحكومة الفرنسية بإنشاء شركة منفصلة عن شركته لبناء المفاعلات النووية، وهي شركة «أريفا»، مما جعله يعرقل العقود بين الشركتين.كما ذكرت الصحيفة أنه بالرغم من أن 80 في المئة من كهرباء فرنسا تنتج من الطاقة النووية، وكثيرا ما دعمت الحكومة الفرنسية هذا القطاع وتعتبره من أهم صادراتها، فإنه يبدو أن التقدم التكنولوجي لفرنسا في هذا القطاع لم يعد كما كان، وذلك لوجود مشاكل لشركات الطاقة النووية الفرنسية في بناء مفاعلات الجيل الثالث للطاقة النووية في كل من فرنسا وفنلندا، مما جعلها تخسر الشهر الماضي مناقصة بناء مفاعل لإنتاج الطاقة النووية للأغراض السلمية في دولة الإمارات العربية والتي فازت بها كوريا الجنوبية بمبلغ 20 مليار دولار.ومن ضمن المشاكل التي تواجهها شركات الطاقة النووية الفرنسية تأخرها في تسليم المفاعلات النووية، فشركة «أريفا» متأخرة عدة سنوات في إنهاء بناء مفاعل لإنتاج الطاقة النووية السلمية في فنلندا، والذي تم الاتفاق على بنائه بتكلفة 3 مليارات يورو، ونظرا إلى مشاكل التأخير قامت شركة «أريفا» بأخذ مخصصات بمقدار 2.3 مليار يورو حتى الآن للتكاليف الباهظة وغير المتوقعة للمفاعل الفنلندي، وبالإضافة إلى ذلك ذكرت الصحيفة أن شركة «إي دي أف» هي الأخرى متأخرة عامين على تسليم مفاعل لإنتاج الطاقة النووية السلمية في مدينة «فلامافـيل» في فرنسا.ومما سبق يتضح أن شركات الحكومة الفرنسية للطاقة النووية تعاني صعوبات عدة في تطبيق العقود في ما بينها، ومتأخرة عدة سنوات في تسليم مفاعلات نووية في فرنسا ودول أوروبية أخرى، وغير ذلك من مشاكل مالية، وعليه فهي في حاجة لأموال جديدة لتعوضها عن خسائرها.لماذا الصـناديق السـيادية في الشـرق الأوسـط؟!لماذا لا تقوم الحكومة الفرنسية وهي التي تملك 91 في المئة من شركة «أريفا»، بضخ الأموال اللازمة لشركتها؟ ولماذا لا تطلب الأموال التي تلزمها من المستثمرين الفرنسيين أو الأوروبيين؟لماذا التركيز على الصناديق السيادية في الشرق الاوسط؟ ولماذا الكويت بالذات؟ هل شروط الاستثمار لدينا أخف وأسهل من الشروط التي يطلبها المستثمرون الفرنسيون والأوروبيون؟قبل سنتين عندما رفض المستثمرون الأميركيون والأوروبيون الاستثمار في المصارف الأميركية المتعثرة مثل "سيتي غروب" و"ميريل لينش"، لجأت هذه المصارف إلى الصناديق السيادية في كل من الشرق الأوسط والشرق الأقصى، ووجدت ضالتها في كل من الكويت وأبوظبي وسنغافورة وكوريا الجنوبية، وكانت النتيجة تكبد الصناديق السيادية لهذه الدول خسائر طائلة من جراء استثمارها في المصارف الأميركية المتعثرة.هل أصـبحت الصـنـاديق السـيادية في الشرق الأوسط «مـزبـلـة» للشـركات الأجنـبـية المتعـثرة؟قبل سنتين استثمرت الكويت 2 مليار دولار في "ميريل لينش"، الذي اشتراه "بنك أوف أميركا" لينقذه من الإفلاس، وخسارتها اليوم تقارب المليار دولار من هذا الاستثمار، ومثلها خسرت كوريا، وأما سنغافورة فقد باعت استثمارها في "ميريل لينش/ بنك أوف أميركا" بخسارة قدرها 3 مليارات دولار، والتي تعادل 60 في المئة من قيمة استثمارها، كما وضحنا في مقالنا المنشور في 27 ديسمبر 2009 في صحيفة «الجريدة».وتكبدت أبوظبي خسائر تفوق نصف استثمارها البالغ 7.5 مليارات دولار في "سيتي غروب"، والذي رفعت بشأنه قضية ضد "سيتي غروب" تطالبها بتعويض عن تلك الخسائر، بعدما غيرت "سيتي غروب" شروط استثمار الكويت وسنغافورة، ولم تغيرها لأبوظبي، كما شرحنا في مقالنا المنشور في 10 يناير 2010 في صحيفة «الجريدة».ألا تكفي هذه الخسائر لتتعلم الصناديق السيادية في الشرق الأوسط- وخصوصا في الكويت- دروسا جديدة في الاستثمار الأجنبي؟!ملاحظة: لقراءة المقالات السابقة للكاتبة عن استثمار الصناديق السيادية في المصارف الأميركية المتعثرة، والتي نشرت في عامي 2008 و2009 والعام الحالي، يمكنكم البحث تحت اسمها في النسخة الإلكترونية لصحيفة "الجريدة".
مقالات
وجهة نظر: بعد المصارف الأميركية المتعثرة تأتينا الشركات الفرنسية المتعثرة
03-02-2010