الابتعاد عن اليورو

نشر في 07-05-2010
آخر تحديث 07-05-2010 | 00:01
 واشنطن بوست على أوروبا الاختيار بين شق صغير في مشروع اليورو الآن وبين صدع أكبر في ما بعد، وعبر إنقاذ اليونان قد تكون أوروبا

اتخذت الخيار الخطأ

قبل شهرين من الزمن اختار وزير المالية اليوناني، وهو يتحدث بمنطق الثقة، استعارة غريبة حقاً لوصف الإمكانات المحتملة لبلاده. قال: "نحاول بشكل أساسي تغيير مسار التيتانيك"، ومنذ تلك الملاحظة تفاعلت هذه المأساة اليونانية العصرية كما تنبأ: المستثمرون كانوا يدركون أن اليونان اقترضت أكثر مما يحتمل لها أن تسدد، ولذلك عمدوا الى زيادة معدلات الفوائد على السندات اليونانية، وأطلقوا بذلك اتجاهاً تصاعدياً مهلكاً، وبعد أن وعدت الحكومة بتحصيل مزيد من الضرائب والمضي في تسديد ديونها بدأ موظفو الحكومة - بمن فيهم بعض محصلي الضرائب- إضراباً عن العمل.

والسؤال الآن هو كم عدد الدول الأوروبية التي قد تتبع اليونان، وماذا يعني ذلك بالنسبة إلى العملة الأوروبية المشتركة؟ وتهدد بدايات مسار الموت الحلزوني ذاته الاقتصادات المدينة في البرتغال وإسبانيا، كما تبدو إيطاليا وأيرلندا عرضة للتأثر.

وحتى مع وجود خطة إنقاذ أوروبية فإن الأزمة كشفت عن عيوب في إطار عمل العملة الأوروبية، ويمكن لمشروع اليورو أن ينجح فقط إذا حرصت الحكومات الأعضاء على عدم الاقتراض بكثرة ويفترض في الدول التي تستخدم اليورو أن تبقي عجزها دون الـ3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهذا لم يتحقق، غير أن الأزمة أبرزت جانباً مغرياً آخر: يتعين على الدول في منطقة اليورو منع الشركات الخاصة من زيادة رواتب وأجور العمال بسرعة كبيرة، وإلا فإنها لن تتمكن من منافسة ألمانيا التي تعمل لاحتواء التكلفة.   

ومن بين هذين الجانبين المغريين -الإكثار من الاقتراض ومن الدفع- جذب الأول كل الانتباه، غير أن الجانب الثاني هو الأكثر تهديداً لليورو، والمعروف أن الحكومة التي تكثر من الاقتراض ستتخلف عن السداد، وهي ستفعل ذلك سواء أكانت داخل اتحاد عملات أو خارجه.

غير أن الدولة العضو في منطقة اليورو التي تسمح بارتفاع الأجور بصورة غير مسندة لن تكون لديها وسيلة سهلة للخروج من المأزق، ولن تتمكن من استعادة قدرتها التنافسية عن طريق الأسلوب المعتاد في خفض عملتها لأنها لم تعد تملك عملة خاصة بها، وبناء على ذلك يتعين على تلك الدولة أن تنافس عن طريق خفض الأجور وهو أسلوب استثنائي غير محبب ومن غير المحتمل أن ينجح في دولة ديمقراطية. وفي حال عرض خيار على الناخبين بين هذا التقشف القاسي وبين التخلي عن اليورو لا يوجد شك كثير إزاء ما سيقرره الناخبون.

وإضافة الى ذلك وحتى إذا أمكن إقناع العمال بقبول خفض الأجور فإن تلك الطريقة في العلاج قد تفشل على أي حال. ثم إن الدول غير المنافسة تتعرض لعجز تجاري لأنها تشتري من الدول الاخرى أكثر مما تبيع وتدفع ثمن الفارق عن طريق الاقتراض من مصادر أجنبية. والآن ما الذي يحدث عندما تحاول دولة مدينة أن تصبح منافسة من خلال خفض الأجور؟ إن انخفاض الأجور يعني حدوث نقص في حجم العملة المتداولة وهذا يعني زيادة في أعباء تلك الديون، وإذا كانت لديك بطاقة ائتمان مرهقة وانخفض أجرك فجأة فإنك ستجهد بشدة لتسديد دفعتك التالية، ونتيجة لتلك الكماشة من الدين- الانكماش يتعين على الدول المدينة وغير المنافسة أن تختار بين التخلف عن السداد وبين ترك اليورو.

واليونان التي تعاني ارتفاع الديون وشرك الأجور العالية ستبقى فقط إذا حصلت على رشوة لقاء ذلك. ويتعين على جيرانها تحمل أعباء ديونها إذا أرادوا سد الشقوق في مشروع اليورو. وعلى الرغم من ذلك وبينما تستطيع أموال أوروبا، بمساعدة من صندوق النقد الدولي، إنقاذ اليونان الصغيرة الحجم فإن تلك العملية ستكون صعبة بالنسبة إلى دولة أكبر مثل إسبانيا. وكما كان الحال في الولايات المتحدة عندما أنقذت السلطات مصرفاً استثمارياً صغيراً (بير ستيرنز) لكنها لم تتمكن من إنقاذ بنك أكبر هو "ليمان براذرز"، فإن أوروبا قد تنقذ اليونان باسم النظام ولكنها ستشهد انهيار النظام على أي حال.

وتشتمل مقارنة بير ستيرنز على درس آخر. فعملية إنقاذه دفعت المستثمرين نحو الرضا والقبول، وشعر البعض أن عليهم ألا يستعدوا لانهيار بنوك أخرى لأن الحكومة ستمنع حدوث الأسوأ، غير أن الخطر المعنوي الذي نجم عن إنقاذ اليونان قد يكون أكثر خطورة الى حد كبير، وقد يكون في وسع الحكومة الأميركية على الأقل مقاومة تأثيرات الخطر المعنوي عن طريق تنظيم عمليات المجازفة في البنوك، أما المؤسسات الأوروبية فلا تستطيع ضمان سلوك الدول الأعضاء كما يشهد بذلك لأن الكل قد تجاوز حدود الـ3 في المئة في عجز الميزانية.

لقد هدد أسلوب الإكثار من الاقتراض وزيادة الأجور بصورة عالية جداً وبشكل دائم تماسك اتحاد العملة. ولكن إذا تم إنقاذ اليونان فإن الإغراء سيصبح أكثر قوة، وسيعزز ذلك قناعة المستثمرين الذين تم إنقاذهم بأن في وسعهم الإقراض بحرية لجهات الإنفاق الكبيرة، وهكذا سيتواصل الإنفاق، وفي نهاية المطاف سيتبين أن إحدى الدول الأعضاء المسرفة كانت أكبر من أن يتم إنقاذها، وسينهار صرح اليورو.

والحقيقة القاسية هي أن على أوروبا الاختيار بين شق صغير في مشروع اليورو الآن وبين صدع أكبر في ما بعد، وعبر إنقاذ اليونان قد تكون أوروبا اتخذت الخيار الخطأ.

back to top