سويسرا بين المصارف والمآذن
أول العمود: لا أدري... لكنني أشعر أن تطورات قضية حجز الكاتب محمد عبدالقادر الجاسم قد ابتعدت عن دائرة حرية التعبير لتدخل دائرة الجدل القانوني ومخاصمة النيابة العامة، وهو ما يضعف لب الموضوع.***
يعتقد البعض أن التقاليد السويسرية في الحفاظ على سرية المعلومات المصرفية قد أخفقت في امتحان مآذن مساجد المسلمين الذين يعيشون فيها، ويقدرون بـ400 ألف نسمة، والتدقيق في نتائج استفتاء أحزاب اليمين المتطرف (57% مع حظر بناء المآذن، مقابل 43% من المتسامحين معها) يؤكد أن عدد من لا يمانعون بناء المآذن ليس بالقليل، ويمكن استثماره للترويج لمفاهيم الإسلام السمحة، وعلى الجانب الآخر يمكن استخلاص عدد من الملاحظات لنتائج الاستفتاء في بلد التسامح، حيث تعيش ثلاث قوميات بسلام:أولا، لم يكن لمثل هذه الاستفتاءات أن تجد طريقها في مخيلة المواطن الأوروبي قبل عقدين أو ثلاثة، وبالمناسبة فإن معماريا نمساويا (ريتشارد لوجنر) هو من صمم مئذنة مسجد ضاحية فلوريدسدروف النمساوية، وكان ذلك في ثمانينيات القرن الماضي، ولم يتكلم أحد ضد الحدث آنذاك، ونعنى بهذا المثل أن المزاج الأوروبي المتسامح قد خدشته حوادث وجرائم عنيفة هزت الشعوب الأوروبية في بلدان كفرنسا وإسبانيا وبريطانيا وغيرها في السنوات الأخيرة.ثانيا، أن حملة الاستفتاء نتج عنها حظر بناء مآذن للمساجد وليس مكان العبادة، وهي خطوة ذكية من قبل اليمين المتطرف الذي استطاع إيصال رسالته إلى السويسريين بتخويفهم من وجود مسلمين على أراضيهم، وفي مقابل هذا النجاح سيكون على الجالية المسلمة مهمة عسيرة لكنها مطلوبة لتغيير المفاهيم، وقد كانت ردود الفعل الأولى من قبلهم بقبول النتائج دون أي سلوك عدواني مضاد شيئا إيجابياً، ويبدو أن المسلمين في سويسرا مقتنعون بأن الاستفتاء جزء من تقاليد سويسرية راسخة.ثالثا، أعتقد أن نتيجة الاستفتاء قد ألقت حجراً على تعامل بعض بلدان المسلمين مع جاليات الديانات الأخرى التي تعيش معها أو حتى من مواطنيها غير المسلمين، كعرقلة ممارسة الشعائر الدينية أو منح تراخيص بناء الكنائس وأماكن العبادة لغير المسلمين، إضافة إلى التمييز الذي يطولهم من المجتمع أو من قوانين الدولة. رابعا، إن المسائل الدينية الساخنة التي تثار ضد المسلمين في الغرب كالحجاب وبناء المساجد وإيجاد دوائر أحوال شخصية ضمن الجسم القضائي في دول أوروبا أو نقد بعض الشخصيات والرموز الإسلامية... كل هذا يأتي كرد فعل على أحداث لا يستطيع المجتمع الأوروبي أن يستوعبها أو يتعاطى معها كالقتل والنحر والتفجيرات وإتلاف الممتلكات. وفي مقابل هذا التطرف يأتي تطرف مقابل تقوده أحزاب يمينية تريد إقصاء الجاليات المسلمة وهي مادة يجري التكسب من ورائها من أجل مآرب انتخابية في كثير من الأحيان.خامسا وأخيرا، فلايزال أمام المسلمين في أوروبا طريق طويل في سلك الطرق القانونية (المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان) لمخاصمة الكثير من القوانين التمييزية ضد الدين، وكذا استغلال أجواء الحريات في نشر ثقافة الإسلام المتسامحة والتعاطي الذكي مع وسائط الإعلام المفتوحة في مجتمعات أوروبا. كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراءيمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة