الذين كنا ننتظر منهم الأحسن

نشر في 04-06-2010
آخر تحديث 04-06-2010 | 00:00
 محمد بدر الدين وصلت سينما 2010 في مصر إلى منتصفها، ولم نرَ فيها ما يستجيب للآمال المتوقعة منها. نعم، إنها فترة سينمائية مخيبة للآمال.

في تقديرنا أنه، باستثناء «رسائل البحر» كفيلم لمخرج كبير هو داود عبد السيد و{ولد وبنت» كفيلم أول لمخرج واعد هو كريم العدل، جاءت محصّلة الأفلام الأخرى أقلّ من المرتقب.

أريد أن أكون واضحاً، فأنا أتحدث عن الذين كان متوقعاً أو منتظراً منهم ما هو أحسن. كمثال يوضح ما أعنيه أكثر، أقول إن هاني جرجس فوزي، المنتج الذي اتجه أخيراً إلى الإخراج إلى جانب الإنتاج، لم يكن منتظراً منه ما يعدّ أحسن من فيلمه «أحاسيس» الذي عرض هذا العام. فقد اتضحت قدرته واتجاهه ونيته، من خلال فيلمه الأول «بدون رقابة»، والثاني «أحاسيس» الذي جاء ضمن المنوال نفسه.

لذا لم نفاجأ بالطابع التجاري، ومحاولة المنتج ـ المخرج للحصول على أعلى ربح ممكن، من خلال سيناريوهات ملفقة، تزدحم فيها مشاهد الجنس أو العري من دون سبب درامي حقيقي، فالفيلم في الأصل يخلو من الدراما الجادة من أي نوع، إنه الربح أو «الاسترزاق» عبر مخاطبة الغرائز، ولا شيء بعد ذلك.

لست أعني ذلك النوع من الأفلام، أو تلك الأسماء من المخرجين، إنما أعني مثلاً المخرج خالد يوسف، الذي فاجأنا هذا العام بـ «كلمني شكراً»، فيلم ضعيف إلى حد الهزال وفج إلى حد الابتذال إلى درجة لم يسبق أن وقع فيها المخرج حتى في أفلامه التي تنتمي إلى السينما السائدة مثل «إنت عمري»، المدرج ضمن سينما ميلودرامية تقليدية أو «ويجا» المنتمي إلى سينما تشويق نفسية وسيناريو متماسك، لكن من دون تجديد.

وصل خالد يوسف إلى أكثر حالاته توفيقاً في «حين ميسرة»، الذي تميّز بسيناريو ناضج نابض بالحيوية والوعي كتبه ناصر عبد الرحمن، وبدا الفيلم «جدارية» لهواجس المصريين في العصر الحاضر بكامله، ومن الظلم اعتباره انعكاساً لمأساة سكان «العشوائيات» على خطورتها، إنما هو رصد وانتقاد للمشاكل الرئيسة وأسبابها، من دون إغفال البعد العربي لقطر ينتمي إلى أمة وقومية.

إذاً، لا يمكن أن يصل حجم المتوقع من هذا المخرج إلى ما شاهدناه في النصف الأول من 2010، من صور الاستخفاف والإسفاف في «كلمني شكراً»، هذا الشريط الغريب الذي لم يأت فيلماً بمعنى الكلمة من الناحية الدرامية والفنية، ولا فيلماً يعبر عن رؤية لقضية، بل ينضح بالتجارة والاستهلاك والحوار الرديء والتعابير والإيماءات السوقية، ويحاول أن يقترب مجدداً من موضوع «العشوائيات» لكن شتان بينه وبين «حين ميسرة».

أمامنا نموذج آخر، هو المخرج الجاد مجدي أحمد علي. فقد جاء فيلمه «عصافير النيل» (2010) أقل من «خلطة فوزية» (2009).

حتى لو رصدنا تحفظات على «خلطة فوزية» إلا أنه فيلم يتمتع على الأقل بسيناريو متماسك وحوار أخاذ معبر عن شخصيات مدهشة، في مكان وظرف بين الواقعي الشعبي، والمتخيل ذي الملمح الأسطوري أو الطليق.

في المقابل، يفتقد «عصافير النيل» إلى السيناريو الموفق، المشكلة أن المخرج حوّل بنفسه رواية المبدع المتميز إبراهيم أصلان إلى سيناريو سينمائي، بينما هذا التحويل من الصعوبة والدقّة بحيث يحتاج إلى سيناريست بقدرات غير عادية، ولم يكن مجدي أحمد علي مضطراً إلى القيام بذلك بنفسه، فاحتار وتشتت في نقل الرواية إلى السينما، لذلك استعان «بالفلاش باك» الذي أربك المشاهد وبمعلّق لم يضف أو يساعد على المشاهدة إنما بدا ثقيلاً، واختلطت الفترات الزمنية التاريخية التي مرت بها مصر في الفيلم بينما سلمت الرواية من ذلك كله.

على رغم هذا يتمتع «عصافير النيل» بمستويات ناضجة على صعد: التصوير لرمسيس مرزوق، التمثيل، ومشاهد عدة جيدة، بغض النظر عن ثغرات السيناريو.

كذلك جاءت تجربة السينما المستقلة للمنتج نفسه في «هليوبوليس» الفيلم الأول لمخرجه أحمد عبد الله السيد، أقل شأناً من تجربة «عين شمس» الفيلم الأول لمخرجه إبراهيم البطوط. فالرؤية واضحة لدى مخرج «عين شمس»، حول الموضوع وأسلوب التعبير بينما حاول مخرج «هليوبوليس» من دون دراية كافية أو رهافة ضرورية المزج بين الفيلم الروائي والفيلم التسجيلي.

إذا أراد السيد أن يتابع، من خلال الصحافي (خالد أبو النجا)، ما الذي حدث لحي مصر الجديدة ونواحي الحياة والبشر والأقليات فيه، في ظل الواقع الحالي بعد زمن سابق «جميل»، فقد فشل في تقديم تحليل دقيق وتفسير مقنع... بل ارتبك فكرياً بشدة مثلما ارتبك فنياً بجلاء.

هذه بعض أمثلة الاضطراب، في سينما النصف الأول من عام 2010. فقد خاب أمل عشاق السينما، في من كنا نعتمد عليهم وننتظر منهم أعمالاً جميلة ترضي وتقنع وتمتع فكرياً وفنياً وجمالياً في النصف الأول من العام. نرجو ألا يخيب أملنا بالقدر نفسه في النصف الثاني!

back to top