المقال كان معداً للنشر قبيل صدور قرار وزير الشؤون الاجتماعية والعمل الدكتور محمد العفاسي الذي ألغى بموجبه قرارا سابقا لإشهار «نقابة الأطباء الكويتيين»، وقد آثرنا نشر المقال بعد صدور القرار لتسليط الضوء على ما جاء فيه من أفكار في هذا الشأن.
منذ أيام، وعندما أعلنت وزارة الشؤون عن إشهار نقابة الأطباء، فرحت بذلك، باعتباري أحد أبناء المهنة، فلطالما راودتني وزملائي الرغبة بتحول جمعيتنا الطبية، تلك المؤسسة الرسمية التي يفترض أنها تمثلنا وتهتم بشؤوننا ومصالحنا المهنية، إلى نقابة واضحة المعالم علَّها تتطور وتصبح كياناً ذا قيمة ملموسة، إلا أنه سرعان ما تبخرت الفرحة وحل مكانها أطنان من علامات الاستفهام والتعجب عندما اتضح لي أن النقابة التي أُشهرت، هي كيان منفصل تماماً عن الجمعية الطبية التي أعرفها منذ سنوات طويلة!لا أعرف ما الملابسات القانونية لإشهار هذه النقابة الجديدة، في ظل وجود الجمعية الطبية الكويتية، التي هي الكيان الرسمي الذي يجب على كل الأطباء الممارسين للمهنة في دولة الكويت، سواء في القطاع الحكومي أو الخاص، التسجيل فيه وفقاً لقوانين وزارة الصحة، ولكنني مع ذلك فلا أكتب اليوم للدخول في هذا الجانب، خصوصاً أن الهيئة الإدارية الحالية للجمعية الطبية لم تبدِ أي اعتراض معلن عليها، مما يدل على أنه لا توجد مشكلة في هذا الصدد، لكنني أكتب متسائلاً عن طبيعة وماهية الحاجة إلى وجود كيانين منفصلين لرعاية مصالح شريحة واحدة، ألا وهي شريحة الأطباء؟ وهل هناك حاجة حقيقية أم أن الأمر لا يعدو كونه حلقة جديدة من حلقات تكاثر وتفريخ الجمعيات والنقابات دون فائدة تذكر تعود على المهن وقطاعات العمل وأصحابها؟!نعم أدرك تماماً ضعف أداء الجمعية الطبية في السنوات الأخيرة، الضعف المرهق الواضح الذي أخرجها عن دائرة القيمة الحقيقية، وجعلها أقرب إلى الكيان الشكلي الباهت الألوان الذي لا يعود نفعه إلا على فئة محددة بعينها، وليس هذا مقام تناول هذه الجزئية، مما دفع أغلب الأطباء إلى العزوف عن المشاركة في أنشطتها، بل حتى المشاركة في انتخاباتها، وانقطاع صلتهم بها إلى حد كبير، اللهم إلا ذلك الاشتراك السنوي الإجباري الذي يخصم من رواتب أطباء وزارة الصحة تلقائياً لمصلحتها، ويتم تقاضيه إجبارياً من أطباء القطاع الخاص عندما يضطرون للتعامل مع وزارة الصحة لأي شأن من شؤونهم الوظيفية. نعم أدرك هذا كله، ولكن هل هذا سبب موضوعي كاف، يمكن الاستناد إليه من أي طرف للشروع في إنشاء كيان مستقل آخر، وافقت وزارة الشؤون، ويا للعجب، أن تضيفه إلى القائمة الطويلة المتطاولة والمختنقة أصلاً بما فيها من كيانات نقابية وجمعيات في كل المجالات والتخصصات التي ليس لها دور مجتمعي حقيقي؟!لست متفائلاً بأن هذه «الازدواجية النقابية» ستقود إلى أي ناتج إيجابي ولا إلى أي وضع صحي على الإطلاق، فملامح التنافس غير المهني والمماحكات الصبيانية بين الكيانين قد بدأت، فمنذ أيام، وفي تصريح للجمعية الطبية حول الاعتداء الذي جرى على أحد الأطباء أخيراً، كان الحرص واضحاً ممن قام بالتصريح على أن يؤكد أن الجمعية الطبية هي الممثل الشرعي والوحيد للأطباء في الكويت، مما يشير إلى أن «حربا» غير معلنة ستبدأ، إن لم تكن قد بدأت فعلاً!أسئلة كثيرة تثور في عقلي حول الموضوع، منها مثلاً: ماذا ستكون علاقتنا نحن الأطباء بهذين الكيانين؟ وهل سنجبر على التسجيل فيهما جميعاً كما نحن مجبرون الآن على التسجيل في الجمعية الطبية دون فائدة في المقابل؟ أم أن التسجيل في واحد منهما سيجزئ عن الآخر؟ وإن كان الأمر كذلك فما الداعي لظهور الآخر؟ وأي الكيانين سيكون الرسمي المعتمد من الدولة؟ ومع أيهما ستتعامل وزارة الصحة؟ ولمن ستستمع وتستشير في شؤون الأطباء كأمور رواتبهم ودرجاتهم وما شابه؟ وعشرات من ماذا وأين ومتى وكيف... ولماذا الأخرى الحائرة في انتظار الإجابة.. فهل من إجابة؟ وهل هناك مسؤول في وزارة الصحة أو في وزارة الشؤون سيكترث بالإجابة أصلاً؟!
مقالات
هل صار الجسد الطبي برأسين؟!
04-03-2010