الجامعات الخاصة بين جودة التعليم ونظام «السوبر ماركت»
سبق أن طرحنا في هذه الزاوية عدة تساؤلات حول الجامعات الخاصة التي أعلنت الحكومة آنذاك أنها ستتوسع في الترخيص لها، وقد كان محور تساؤلاتنا يدور حول ما إذا كان التوسع في الترخيص للجامعات الخاصة يأتي تنفيذا لسياسة تعليمية محددة وواضحة المعالم تكون استجابة لحاجة تنموية، أم أن ذلك يخضع لدراسة الجدوى الاقتصادية التي يقدمها القطاع الخاص الهادف إلى الربح فحسب، والتي من الممكن التلاعب بها بطريقة أو بأخرى؟لقد كانت الخشية أن المجال سيفسح بشكل واسع لمن يملك المال لافتتاح جامعة خاصة من المؤكد جدا أنها ستحقق أرباحا سريعة ومضمونة بغض النظر عن نوعية برامجها العلمية ومستواها الأكاديمي، إذ إن الدولة ستوفر لها المباني وستزودها بالطلبة من خلال الابتعاث الداخلي، وهو الأمر الذي من المرجح جدا أن ينتج عنه تحول التعليم الجامعي إلى "سوبر ماركت" أو سوق شعبي يقدم بضاعة رديئة الجودة تدمر مستقبل الطلبة من جهة، ولا تعود على التنمية بأي مردود إيجابي من الجهة الأخرى.
والآن بعد مضي أكثر من ثماني سنوات على افتتاح أول جامعة خاصة في الكويت، وبعد ازدياد عدد الجامعات الخاصة بشكل ملحوظ في بلد صغير الحجم وقليل عدد السكان، فإن الوقت قد حان لأن يقوم مجلس الجامعات الخاصة بعملية تقييم موضوعي شامل للبرامج الأكاديمية التي تقدمها هذه الجامعات، على أن تنفذه جهة أكاديمية مستقلة. وذلك من أجل تحديد مدى تطابقها مع المعايير الأكاديمية العالمية، ثم إعلان نتائج هذا التقييم بشكل دوري مع توضيح الأسس والمعايير التي بني عليها بكل شفافية ووضوح، والجهة التي قامت به حتى يعرف أولياء الأمور المستوى الأكاديمي وجودة التعليم اللذين تقدمهما الجامعات الخاصة التي يتلقى فيها أبناؤهم وبناتهم تعليمهم الجامعي، وحتى نعرف جميعا ما هو المردود التنموي الذي يعود على الدولة من وجود الجامعات الخاصة لا سيما أن الدولة تقدم لها تسهيلات غير عادية مثل منحها أراضي من أملاك الدولة عن طريق نظام الـ"بي أو تي" وتزويدها بأعداد هائلة من الطلبة عن طريق الابتعاث الداخلي الذي يضمن للجامعات الخاصة حصولها على العدد الذي تحتاجه سنويا من الطلبة، بل إننا لا نبالغ إن قلنا إن أعداد طلبة الابتعاث الداخلي المقبولين في بعض الجامعات الخاصة تفوق طاقتها الاستيعابية بالمقاييس كافة، خصوصا بعد تخفيض نسب القبول في بعض التخصصات العلمية بدرجة كبيرة لا نظن أنها تتطابق مع المعايير العالمية للقبول الجامعي في مثل هذه البرامج الأكاديمية! أضف إلى ذلك أنه يسمح لبعض الجامعات الخاصة بقبول الطلبة في برامج تأهيلية للدراسة الجامعية قد تمتد لأكثر من عام دراسي، أي تتحول الجامعة إلى معهد ما قبل الجامعي، رغم مخالفة ذلك للترخيص الممنوح لها من الحكومة على أساس أنها جامعة وليست جامعة ومعهد تأهيلي أيضا!