سعاد أخت القمر... شاهين وأفكار لها أجنحة

نشر في 01-02-2010
آخر تحديث 01-02-2010 | 00:00
 محمد بدر الدين يوسف شاهين أحد كبار مخرجي السينما لدينا وفي العالم. سعاد حسني إحدى أساتذة فن التمثيل لدينا وفي العالم. في ذكرى ميلادهما هذا الأسبوع، يتأكد حضورهما مجدداً على رغم الغياب والافتقاد.

جاء كل منهما من عصر واحد، وبزغت موهبتهما العميقة في الخمسينات والستينات من القرن العشرين وإن سبقها هو بسنوات قلائل.

التقت الموهبتان في آخر الستينات في فيلم «الناس والنيل»، وفي أول السبعينات في «الاختيار». يتناول الأول ملحمة بناء السد العالي، كأحد المشاريع العملاقة في عصرنا وعلى مرّ العصور لأجل النهضة والتنمية، وهو إنتاج مشترك بين مصر والاتحاد السوفياتي آنذاك، يتميز بأنه جاد وأخاذ ويستحقّ إعادة المشاهدة والاكتشاف.

أما «الاختيار» (1971) فمقتبس عن قصة للأديب نجيب محفوظ، تدخل ضمن إطار تجديد الواقعية وتناقش أحوال المصريين بعد صدمة يونيو عام 1967، وعلى من تقع المسؤولية فيها ودور المثقفين خصوصاً.

يعبر الفيلم عن قضيته بدقة وجرأة من خلال شقيقين يؤدي دوريهما النجم عزت العلايلي، يصل أحدهما إلى أعلى المناصب مستخدماً الوصولية والانتهازية لتحقيق مآربه، فيبدو قلقاً وممزقاً على الدوام، ما ينعكس سلباً على زوجته المرهفة والمرهقة (سعاد حسني) التي تتوق إلى حياة أكثر نقاوة وحرية.

الشقيق الثاني هو البحار الطليق، عاشق الصدق والحرية، الذي يجد راحة باله وصفاءه في بيت «بهية» (هدى سلطان) الذي يرمز إلى البيت الشعبي المصري الأصيل الصادق، فيه نور الحقيقة وسلامة المقصد وطمأنينة النفس، وهذه المعاني هي ذاتها التي تتوق إليها الزوجة، وتصوّر سعاد تلك الأحاسيس بتعابير دقيقة وإيماءات وخلجات مدهشة.

لم يأت بعد شاهين مخرج بحجمه... ولم نشهد بعد سعاد ممثلة بحجمها. فكل منهما من الطراز العملاق الذي لا يتكرر بيسر! كانا تجسيداً لأشواق زمن ولرؤية اتخذت الفن الجميل وسيلة للتعبير عن الروح وإسعاد الإنسان وتطوير الأمة.

عبّر شاهين عن تمسّكه بحرية المواطن في «الاختيار»، حرية الوطن في «الأرض»، تحرير الأمة ووحدتها في «الناصر صلاح الدين» و{جميلة الجزائرية»، نقد الذات وملحمة ثورة يوليو من موقع الانتماء إليها والحرص عليها في «عودة الابن الضال» سيناريو صلاح جاهين، الشاعر والرسام العبقري ابن ملحمة يوليو بدوره وأحد كبار المعبرين عنها.

كان جاهين أستاذ سعاد والصديق الأقرب إليها حتى رحيله المباغت، الذي ألمها إلى جانب مرضها الطويل. كتب لها فيلمها المرح الاستعراضي الشهير «خللي بالك من زوزو{ إخراج حسن الإمام، و{المتوحشة» إخراج سمير سيف عن مسرحية جان أنوي، و{شفيقة ومتولي» الذي بدأ إخراجه سيد عيسى واستكمله علي بدرخان.

كذلك كتب لها المسلسل التلفزيوني الناجح «هو وهي» عن نصوص للكاتبة الصحافية سناء البيسي، وهي حلقات متّصلة منفصلة برعت سعاد في أدائها إلى جانب عملاق التمثيل العربي أحمد زكي.

سطعت سعاد أيضاً بأدوارها الرائعة مع المخرج صلاح أبو سيف في «القاهرة 30» و{القادسية» و{شئ من العذاب»، مع المخرج كمال الشيخ في «شروق وغروب» و{على من نطلق الرصاص»، مع المخرج سمير سيف في «المتوحشة» و{المشبوه» و{غريب في بيتي»، مع المخرج علي بدرخان في «أهل القمة» و{الجوع» و{الراعي والنساء»، والأخير هو فيلم الوداع، إذ شاركت سعاد في بطولته وهي تعاني آلاماً مبرحة وسافرت بعد الانتهاء من تصويره إلى باريس ولندن للعلاج، لكنها لم تعد.

تبقى سعاد في الوجدان، بنت شقية بملامح وروح مصرية، تضحك وتمرح، تعبيراً عن الفرح والانطلاق وعن الشجن والأحزان بالمقدرة نفسها.

إنها الإنسان، المرأة المصرية والعربية الحديثة، و{أخت القمر» كما كانت تردد الأغنية العذبة التي أنشدتها وهي طفلة في برامج الأطفال في الإذاعة! أما شاهين فستبقى سينماه «ديوان مصر والعرب» في عصرنا الحديث، من فيلمه الأول في بداية الخمسينات «بابا أمين» إلى فيلم الوداع «هي فوضى» قرب نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين الذي نادى فيه، بل بشر فيه بتغيير كبير مقبل.

نعم إنهما خالدان.

back to top