قال تحليل مالي نشرته وكالة بلومبيرغ الإخبارية إن الأزمة التي عصفت باقتصادات منطقة اليورو بدأت في الحقيقة من خلال حاشية هامشية ترجع الى عام 1997، ففي تلك السنة وعندما تنبأ الاتحاد الأوروبي بأن العجز في الميزانية الإيطالية سيتجاوز عتبة التأهل للعملة الأوروبية الموحدة وردت ملاحظة تقول إن بوسع إيطاليا التأهل إذا قامت "بإجراءات إضافية"، وقد حققت إيطاليا الحدود المطلوبة منها وتمكنت من التأهل.
واليوم تكشف الأزمة المالية في اليونان مواقع الخلل في الوحدة النقدية الهجينة، وعدم الانضباط المالي في القارة الأوروبية، وتهدد الأزمة بتوسيع هبوط اليورو مقابل الدولار بنسبة 6 في المئة هذه السنة، وانتقال ذلك الانخفاض الى دول أوروبا الشرقية، واحتمالات تحدي الدولار كعملة احتياطية عالمية.ويقول بيرفنش بيريه، العضو الفرنسي في البرلمان الأوروبي، الذي يرعى قراراً يدعو الى أنظمة مالية أكثر شدة: "إن مأساة اليونان المالية تظهر الكثير من الأشياء التي لا يريد الناس رؤيتها، مثل الافتقار الى السيطرة الاقتصادية في منطقة اليورو، وإذا انهارت اليونان فسينهار كل شيء، ويجب ألا يسمح أحد بحدوث ذلك".التباين الاقتصادييذكر أن مارتن فيلدستاين من جامعة هارفارد كان بين أول الأشخاص الذين حذروا منذ بداية طرح العملة الموحدة في عام 1999 من أن الاقتصادات المتباينة لا يمكن جمعها تحت سقف واحد، وكانت المانيا تقود الاتحاد في تلك الفترة، وقد وافقت على التخلي عن المارك الألماني إذا طبقت بقية دول الاتحاد سياستها في تجنب الديون التي ظهرت بعد حربين عالميتين. ولكن بدلاً من ذلك عمدت كل دولة الى اتباع الطريق الخاص بها، وتصدرت ألمانيا دول المجموعة مدعومة بشركات كبرى مثل فولكسفاغن وسيمنس، وارتفعت مبيعات فولكسفاغن الأوروبية 16 في المئة بين 2006 و2008، بينما تقلصت مبيعاتها المحلية 3 في المئة، أما شركة سيمنس، التي تتخذ من ميونيخ مقراً لها، فقد ارتفعت مبيعاتها الأوروبية من 32 في المئة في 2005 الى 41 في المئة في 2009، وهبطت تكلفة وحدة العمل في ألمانيا بين 2004 و2006، وارتفعت بمعدل 2.2 في المئة فقط في 2008، بينما ارتفعت تكلفة العمل في تلك السنة بمعدل 4.3 في المئة في اسبانيا و3.9 في المئة في اليونان و3.4 في المئة في البرتغال.خارطة أوروبا الاقتصاديةوكانت النتيجة رسم خارطة اقتصادية متباينة للقارة الأوروبية، تجلت في حدوث عجز بنسبة 9.6 في المئة في الحسابات الجارية في اسبانيا خلال عام 2008، في مقابل وجود فائض بنسبة 5.5 في المئة في لوكسمبورغ، ويشبه هذا التفاوت في أوروبا التباين الذي جعل العملة الإيطالية تنخفض بنسبة 40 في المئة مقابل المارك الألماني في الفترة ما بين 1992 و1995.إفلاس بنك ليمانيذكر أن اليونان وإسبانيا والبرتغال مدعومة بمعدلات فائدة من البنك المركزي الأوروبي لم تتجاوز 4.75 في المئة، أطلقت طفرة إسكانية من خلال الديون العمرانية التي أخفقت بعد انهيار بنك ليمان براذرز الذي أفضى الى أزمة مالية عالمية، ثم بدأت الحماية التي وفرها اليورو لليونان بالضعف والتردي، واضطرت حكومة أثينا الى دفع ما يصل الى 8 نقاط أساس أو 0.08 نقطة مئوية أكثر من ألمانيا، من أجل الاقتراض في 18 فبراير 2005، ووصلت الفجوة الى 396 نقطة أساس في الشهر الماضي وهي تبلغ اليوم 334 نقطة.ومع أن وضع اليورو اليوم يصنف اليونان على أنها الأعلى مجازفة في ما يتعلق بتحول مشاعر المستثمرين فإن سيمون بالارد، وهو خبير إستراتيجية الائتمان لدى رويال بنك اوف كندا في لندن، يقول إن سيناريو الانفصال غير قائم على الإطلاق، "لأن الانضمام الى اليورو مثل البيضة المقلية، وبمجرد أن تقليها لا يمكنك إعادتها الى غلافها ثانية".وتجدر الإشارة الى أن المستثمرين أسهموا في وضع اليورو في أدنى مستوى له خلال تسعة أشهر في 12 فبراير، عندما بدأت أزمة اليونان المالية، ووصل يومها الى 1.35 دولار، ولكنه يظل فوق معدل انطلاقه البالغ 1.17 دولار، ولا يزال يقيم بحوالي 16 في المئة زيادة مقابل الدولار، وذلك وفقاً لمؤشر بلومبيرغ للقوة الشرائية.مساعدة اليونانولكن لا يزال من الخطأ الإقلال من أهمية عزم الاتحاد الأوروبي على مد يد العون الى اليونان والحيلولة دون انتشار الضعف المالي الى أجزاء اخرى من القارة، وسوف يكون الشرخ الأكبر الوحيد في الاتحاد الأوروبي وبصورة متزايدة بين الدول التي تنتمي الى اليورو، وتلك التي لا تنتمي اليه، وذلك حسب بيتر لادلو المؤرخ ومؤلف كتاب "صنع أوروبا الجديدة"، لأن ذلك سوف يجعل المزيد من توسع اليورو في أوروبا الشرقية ضحية محتملة لتداعيات أزمة اليونان المالية.
اقتصاد
أزمة اليونان تكشف مواقع الخلل في الوحدة النقدية الأوروبية
22-02-2010