«قمةٌ تلِد أُخرى»
![صالح القلاب](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1501783180355436200/1501783193000/1280x960.jpg)
وحقيقة، في ضوء هذا كُلِّه، لابد أن يستمع القادة العرب إلى السؤال الذي بات يُطرَح في الشارع العربي من تطوان في الغرب حتى الكويت في الشرق، ومفاده: هل قمة "سِرْت" آخر القمم العربية، وهل الذين تعمّدوا أن تنعقد بهذه الكيفية أرادوا أن تكون القمة الأخيرة؟ فكما انعقدت قمة "أنشاص" في عام 1946 بعدد لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، كانت القمة الأولى التي تبعتها هذه السلسلة الطويلة على مدى أربعة وستين عاماً، تخلَّلتها خمس حروب طاحنة مع إسرائيل كانت حرب يونيو 1967 أكثرها كلفةً وأشدها مأساويةً؟بقيت الوحدة العربية "من الخليج الثائر إلى المحيط الهادر"، مطلباً جديّاً لكل العرب على مستوى الشعوب وبعض القادة، حتى بعد فشل الوحدة المصرية-السورية، وبعد اغتيال التجربة الاتحادية بين العراق والأردن في ذلك اليوم الأسود من عام 1958، عندما بدأت سلسلة الانقلابات الدموية التي أوصلت بلاد الرافدين إلى ما وصلت إليه، لكن بعد العبث بهذا المطلب شكلاً ومضموناً، تحوَّل إلى صورة "كاريكاتورية" مضحكة، وهذا هو الذي جعل العرب يبتسمون بسخرية مُرّة عندما سمعوا اقتراح استبدال صيغة "جامعتهم" باتحاد عربي يحتاج إنجازه إلى ظروف غير هذه الظروف وواقع غير هذا الواقع ومعطيات اقتصادية غير هذه المعطيات.لا يمكن ضمان انعقاد القمة الاستثنائية التي اقترحتها قمة سِرْت، ويقيناً أنه إذا لم تتغير هذه الظروف البائسة التي يعيشها العرب، دولاً وشعوباً، فإنه حتى استمرار الجامعة العربية "بعجرها وبجرها" لن يكون مضموناً، فالواقع القائم الآن لا يشبهه إلا واقع دويلات وممالك الطوائف الذي سبق "ضياع" الأندلس، والمشكلة هنا أن الأكثر حماساً لرفع رايات الوحدة العربية هم الأكثر عبثاً بهدفٍ كان الطيبون والمخلصون يعتبرونه قريباً، لكنه أصبح بعد كل هذه التجارب المُرّة والممارسات الأكثر مرارةً أبعدَ من أبعدِ كوكبٍ عن الكرة الأرضية.