عندما تقول وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، ردّاً على مستجدات الوضع الفلسطيني بعد أن أعلن "أبومازن" ما أعلنه: "إنني أتطلع إلى الاستمرار في العمل مع محمود عباس في أي موقع من الممكن أن يشغله"، فإنها، إذا كان هذا ليس من قبيل إلقاء الكلام على عواهنه، تستشرف وضعاً فلسطينياً من دون رئيس وبلا انتخابات رئاسية، وربما بلا حكومة ولا سلطة وطنية ومن دون أيٍّ من هذه المؤسسات القائمة، التي من المُفترض أن تكون الأساس الذي ستقوم عليه الدولة المستقلة المنشودة.
ربما أن كلينتون قد قالت هذا الكلام، الذي هو حمَّال أوجه، بالاستناد إلى معلومات بأن الفلسطينيين سيعودون إلى المربع الأول، وأن محمود عباس (أبومازن) سواء أُجريت الانتخابات الرئاسية أو لم تُجرَ سيلعب دور مرشد الثورة، على غرار الدور الذي يلعبه علي خامنئي في جمهورية إيران الإسلامية، من خلال موقعه كرئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية ورئيس للجنة المركزية لحركة "فتح"، وهذا يعني أنه سيكون المشرف على المفاوضات مع الإسرائيليين على الجانب الفلسطيني، حتى إن لم ينخرط فيها بصورة مباشرة. وحقيقة أن هذا واردٌ ومتوقع، فالمعروف أن دورة المجلس الوطني الفلسطيني التي انعقدت في الجزائر عام 1988، وأعلنت "الاستقلال" من قبيل تبريرها القبول بقرارَي مجلس الأمن الدولي 242 و338، كانت قد اتخذت قراراً بأن منظمة التحرير هي الدولة الفلسطينية إلى أن تقوم الدولة المستقلة الحقيقية المنشودة، وأن رئيس المنظمة هو رئيس هذه الدولة، لهذا فإن هذه المنظمة هي التي تمثلت في مؤتمر مدريد وفي كل المفاوضات التي انبثقت عنه، وهي التي وقعت اتفاقيات أوسلو، وهي التي بقيت تفاوض، وهي التي ستفاوض إن وقعت معجزة واستؤنفت هذه المفاوضات المتوقفة. حتى السلطة الوطنية، فإنها وفقاً للصيغ المعمول بها ليست إلَّا جهازاً من أجهزة منظمة التحرير، وهذا ينطبق على المجلس التشريعي الذي هو جزء من المجلس الوطني، لهذا فإن محمود عباس إن هو بقي مصرّاً على موقفه ولم يترشح لانتخابات الرئاسة، التي يسود اعتقاد أنها قد لا تجري في يناير المقبل وفقاً للمرسوم الرئاسي الذي كان أصدره "أبومازن" في هذا الخصوص، فإنه سيبقى هو المخول بالتعاطي مع عملية السلام من ألفها إلى يائها سواء استؤنفت المفاوضات أم لم تُستأنف، وذلك على أساس أنه هو رئيس "المنظمة"، واستناداً إلى أن رئيس هذه المنظمة هو رئيس الدولة الفلسطينية. ثم حتى إن أجريت الانتخابات في موعدها، وهذا يبدو أنه مستبعدٌ في ظل الانقسام الفلسطيني الحالي وتمسك "حماس" بإمارتها الإسلامية في غزة، وحتى إن تم اختيار رئيس آخر غير "أبومازن"، فإنه بإمكان محمود عباس بصفته رئيساً لمنظمة التحرير التي يعتبر رئيسهاً وفقاً لقرارات دورة المجلس الوطني التي انعقدت في الجزائر خلال نوفمبر عام 1988، رئيساً للدولة الفلسطينية التي لم تَقُمْ بعد، أن يلعب بالنسبة إلى الوضع الفلسطيني الدور نفسه الذي يلعبه الآن مرشد الثورة (الولي الفقيه) في جمهورية إيران الإسلامية. ثم إن ما يعزز هذا التوجه، هو أن هناك سابقة في هذا الخصوص، إذ تصرف الراحل ياسر عرفات بصفته رئيساً لمنظمة التحرير كرئيس للدولة، عندما لجأت إسرائيل إلى عرقلة الانتخابات الرئاسية والتشريعية في فترة من الفترات بالنصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي، وأدار الشؤون الفلسطينية على هذا الأساس إلى أن توافرت الظروف الملائمة لإجراء هذه الانتخابات. كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراءيمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة
مقالات
أبومازن... مرشدٌ للثورة !
10-11-2009