الليبرالية... والمزورون!

نشر في 23-03-2010
آخر تحديث 23-03-2010 | 00:01
 حمد نايف العنزي  جرب أن تضع كلمة "ليبرالية" أو "ليبرالي" في محرك البحث "غوغل" وأنا أضمن أنك سترى العجب العجاب من التعريفات العجيبة الغريبة، فالليبرالية في نظر أغلبية العرب والمسلمين هي الدعوة إلى الرذيلة والانحلال والفسق والفجور، والليبراليون في نظرهم ليسوا سوى دعاة شهوات وملذات يعيشون حياتهم كالأنعام بل أضل سبيلاً، أو كما ذكر أحد المشايخ- أفادنا الله بعلمه الغزير- ينكح أحدهم ابنته وأخته وأمه، ونسي رعاه الله أن يذكر "الجدة" بالمرة حتى تكتمل الصورة الشيطانية عن الليبرالي المجرم!

لا بأس... فهذا الجهل المضحك عن الليبرالية وأهدافها وغاياتها نتيجة طبيعية جداً لفكر من يعيش في مجتمعات أحادية الثقافة، يفرض فيها الرأي الواحد، والمعتقد الواحد، والمذهب الواحد، والفكر الواحد سيطرته على الجميع في مجتمعات غير منفتحة على ثقافات الآخرين ونتاجهم وإرثهم الفكري، العقول فيها تؤمن بحقيقة مطلقة أخذ وكالتها رجال الدين يطلق عليهم لقب "الشيوخ"، وإن لم تتجاوز أعمار بعضهم العشرين عاما، وعن طريق هؤلاء تخرج هذه التعريفات العجيبة والغريبة عن الليبرالية أو العلمانية أو الديمقراطية وغيرها، والتي لم يقل بها أحد سواهم ولا يعترف بها أي من مؤسسي هذه المذاهب والتوجهات الفكرية... لله در هؤلاء الشيوخ المراهقين المبدعين في كل شيء! مرة تلو أخرى، نجد أنفسنا مرغمين على إعادة كلام قلناه في مقالات سابقة بطريقة مختلفة علّه ينفذ إلى عقول عليها أقفالها، وهو أن الليبرالية ليست نقيضاً للدين ولا تناصبه العداء، وليس من غاياتها أو أهدافها هدم الأخلاق ولا العادات ولا التقاليد، أو فرض عقيدة ما دينية أو فكرية أو سياسية على الآخرين، لأن الليبرالية وعاء يحوي كل المعتقدات السياسية والفكرية والدينية مجتمعة، ويدعو إلى التسامح والتعايش في ما بينها دون سيطرة معتقد معين على بقية المعتقدات!

هي باختصار "حرية الإختيار"؛ أن يكون لكل إنسان حريته في اختيار دينه وتوجهه السياسي والفكري كما يريد هو لا كما يريد الآخرون، وأن يجهر برأيه دون قيود من أي نوع، سوى أن تأتي متوافقة مع القوانين العامة للدولة المدنية، ومتماشية مع منظومة الأخلاق والقيم المتعارف عليها في كل المجتمعات الإنسانية، وأن تكون حرية مسؤولة بحيث لا يتم التعدي من خلالها على حقوق الآخرين، والغاية هو وجود مجتمع حر تتعدد فيه ألوان الطيف السياسي والفكري والديني، ويتمتع أفراده بنفس الدرجة من الحقوق والحريات... ودون إفراط أو تفريط!

وكل ما يقوله المزورون من أن الليبرالية تعادي الأديان وتدعو إلى الإلحاد غير صحيح، فغاية الليبرالية الأولى هي ألا يفرض أحد على أحد طريقته ومنهجه في الحياة، فحين يكون المرء متديناً، فإن هذا شأن يخصه وحده، لكن لا يحق له أن يفرضه على غيره، وحين يكون المرء ملحداً أو غير مؤمن بالأديان، فهذا أمر يخصه، شريطة ألا يفرضه على أحد، ففي الحالتين يكون قد اعتدى على حرية الآخرين في الاختيار!

والليبرالية ليست شراً كما يدعي البعض، فالفرق واضح لكل ذي عينين بين المجتمعات التي تؤمن بالتعدد والتنوع في الأفكار والرؤى وغيرها من المجتمعات السلطوية، لأنها واضحة وضوح الشمس في أوجه قوتها وقصورها، والسبب شفافيتها التي تجعلنا نرى بوضوح عيوبها ومزاياها، أما المجتمعات الشمولية والسلطوية والدينية، فترتدي دائماً أقنعة مزيفة ظاهرها ملائكي وباطنها لا يعلمه إلا الله، وهي بتسلطها على الناس تعلمهم التقيّة والرياء والنفاق الاجتماعي والسياسي، والانفصام في الشخصية بين ما تنطوي عليه وبين ما يريدها المجتمع أن تكون، والتناقض الصارخ بين الوقار المصطنع، وما يدور في الرأس من شكوك وأفكار شيطانية، وبين الرغبات المكبوتة، وما يجري على الألسنة من بسملة وحوقلة واستغفار!

الليبرالية لم تكن يوماً عدوة للدين ولن تكون، إنما هي عدوة للحجْر والوصاية على العقول، ولم تكن يوماً عدوة للأخلاق والقيم الإنسانية، بل هي عدوة للنفاق والزيف والرياء الذي يملأ مجتمعاتنا، وليست بأي حال من الأحوال دعوة للإباحية والفجور والانحلال كما يزعم البعض من أعدائها وممن يرتدون رداءها، إنما هي دعوة للحرية المسؤولة ضمن إطار القانون والأخلاق المتعارف عليها.

فهل سيعي البعض مفهوم الليبرالية الذي بسببه تطورت وارتقت الأمم المتحضرة... أم سيستمر في التزوير والتدليس من أجل مصالحه ومصالح جماعته الخاصة؟!

back to top