الحديث عن خطب الطلب والتمني يؤكد أننا أمام نمط إدارة بـ»الميانة»، أو ترضية الخواطر، وهذا طبعاً لا يقود وطناً ولا يصلح حالاً، لأنه نمط يمكن العمل به في مجتمع عشائري يكون للكبير فيه خاطر على الصغير، لكنه حتماً غير مقبول في دولة نظامية ومدنية تعمل بالدستور وتطبق القانون.

Ad

تحولت لغة الخطاب الرسمي لقياديي الدولة في الفترة الأخيرة إلى الطلب والتمني، بدلاً من الحث على تطبيق القانون والعمل على تحسين مستوى معيشة الفرد.

خطابات قياديينا أصبحت تتضمن مفردات المناشدة والرغبة والتمني بحفظ الوحدة الوطنية وتجنب الفتن ومحاربة الفساد، وهو ما يدعونا إلى التساؤل عمّا بإمكاننا القيام به كمواطنين إذا كان قياديونا لا يملكون سوى الرجاء بأن يكون غدنا أفضل من يومنا، وهم المعنيون بتطبيق القانون وإدارة الدولة، ويملكون من الأدوات ما لا نملكها نحن.

مطلع الأسبوع تمنى رئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد من رؤساء تحرير الصحف اليومية وضع ميثاق شرف ينظم عمل وسائل الإعلام، وناشدهم الابتعاد عن التجريح والإثارة والتركيز على النقد البناء وفقا لمعايير مهنية، وربما يكون لدى مجلس الوزراء وجهة نظر مما تنشره وسائل الإعلام، وهذا حق مكفول له ولأعضائه، لكن المجلس في الوقت ذاته مطالب بتفعيل قانون المطبوعات والنشر، بدلاً من حث رؤساء تحرير الصحف على وضع ميثاق شرف يعملون بمقتضاه.

الحديث عن خطب الطلب والتمني يؤكد أننا أمام نمط إدارة بـ»الميانة»، أو ترضية الخواطر، وهذا طبعاً لا يقود وطناً ولا يُصلح حالاً، لأنه نمط يمكن العمل به في مجتمع عشائري يكون للكبير فيه خاطر على الصغير، لكنه حتماً غير مقبول في دولة نظامية ومدنية تعمل بالدستور وتطبق القانون.

سمعنا كثيراً من قياديي البلاد عن ملف الفساد والفاسدين، وكيف أنهم في كل محفل يحثون على تطبيق القانون ومحاسبة المقصر، وكأننا في بلد «علي بابا والأربعين حرامي»، فلم نرَ حتى الآن شخصاً واحداً أدين بتهمة متصلة بالفساد الذي يتحدثون عنه.

قبل عام شهدت البلاد إضرابات العمالة الآسيوية وتخللها مواجهات مع قوى الأمن، وفي العام الماضي أيضا ورد اسم الكويت في سجل الدول المدانة بالاتجار بالبشر، ومع ذلك لم نرَ حتى الآن مسؤولا أدين لتسببه بوضع البلاد في هذه القائمة، رغم أن إجراءات إدخال أي عامل أجنبي للبلاد معقدة، وتحتاج إلى موافقة من ثلاث إلى ست جهات رسمية.

منذ عامين ونحن نعيش حلقات مسلسل طويل عنوانه الرياضة الكويتية، فهناك قوانين صادرة من مجلس الأمة وبموافقة الحكومة، وهناك أطراف لا ترغب في تطبيق القانون، وبينهما تم تجميد النشاط الرياضي بقرار دولي، ومع ذلك لا نعلم حتى الآن ما هو السيناريو المقترح للخروج من هذا المأزق بعيداً عن تطبيق القانون القائم؟

لقاءات قياديي البلاد مع مرؤوسيهم تبين الرئيس وهو يحث من هم دونه على تطبيق القانون، لكننا لا نرى قانوناً ليطبق، ولا رجالاً يطبقونه، فكلما دخلت الحكومة مأزقاً أحالت ملفاتها إما إلى النيابة العامة وإما إلى ديوان المحاسبة وإما شكلت لجنة مختصة، فتعود التقارير أو تحفظ، ولا نسمع عن تطبيق القانون ومحاسبة المقصر سوى في الخطابات الرسمية، لأن البلد كما ترون يدار بـ»الميانة» وترضية الخواطر.