أحيت البلاد يوم الأول من أمس الذكرى العشرين للغزو العراقي على أرضها عام 1990... رحل كثير من رجال تلك المرحلة وآخرون طواهم النسيان، وظل السؤال يلح، بعد عشرين عاما مرت من عمرنا: ماذا جرى ولماذا؟

Ad

ترحل الأسئلة دون إجابات تخلفها، ثم نستوعب أن ما مضى راح دون رجعة، وعليه نعيد صياغة السؤال: ماذا بعد ذلك؟

على مدى عشرين عاما، لم يبق من الغزو العراقي سوى بيان لمجلس الوزراء ومواد فيلمية يبثها تلفزيون الدولة الرسمي، وكأن الحدث لم يكن بقدر الاهتمام الرسمي كي يؤرخ ويسترجع.

شهداء وأسرى ومفقودون، وصور تبين حال الكويتيين داخل معتقلات الأسر، وسبعة شهور اقتُصت من حياتنا، ونقص في المياه والخدمات الصحية وانقطاع الكهرباء وتلوث بيئي، جميعها راحت، واختزلتها فقرتان من البيان الأسبوعي لجلسة مجلس الوزراء العادية.

نحن أعداء التاريخ، وهناك حد بين التذكر والتهويل، لا نريد المبالغة بالاستذكار، بل أن تحظى المناسبة بما تستحقه من تقدير، لا تغيّب ولا إفراط، لكن عداءنا للتاريخ حوّل مناسباتنا الوطنية إلى جملة تصريحات بروتوكولية، وعبارات منمقة، يتحول فيها الغزو العراقي إلى اعتداء صدامي.

خلال الغزو العراقي على الكويت، غابت الدولة، وقاد المواطنون المبادرة، وشغل كل منهم موقعا خوله المساهمة في تخفيف حدة الفاجعة، وتكافلوا بينهم بما مكنهم من عبور سبعة شهور عجاف، ثم عادت الدولة، فقيمت صمودهم ماليا، وأسقطت عنهم جميع المطالبات المستحقة عليهم من فواتير والتزامات، وكرست عرفا جديدا عنوانه أن الدولة تسدد فواتير مواطنيها، وتدفع لهم أموالا نظير كونهم مواطنين، وزادت بعد ذلك أنها لم تحاسب مسؤولا واحدا عما جرى.

خطآن استراتيجيان وقعت بهما الدولة في معالجتها لتداعيات الغزو العراقي: الأول أنها أسقطت جميع الالتزامات فيما كان يفترض بها دستوريا أن تقدم تعويضات عن الكوارث كما جاء في المادة 25 من الدستور الناصة على «تكفل الدولة تضامن المجتمع في تحمل الأعباء الناجمة عن الكوارث والمحن العامة وتعويض المصابين بأضرار الحرب أو بسبب تأدية واجباتهم العسكرية»، لكنها على العكس أسقطت مطالباتها بدلا من التعويض، فكرست نهجا لشراء ود المواطنين على حساب المال العام، وهو ما سار عليه لاحقا النواب بدءاً من مطالباتهم بإسقاط فواتير الكهرباء والماء التي أقرها البرلمان وبعدها الزيادات المتلاحقة على الرواتب وأخيرا المطالبة بإسقاط القروض.

الخطأ الثاني، عدم محاسبة المسؤولين، وتحويل الأمر إلى البرلمان الذي شكل لجنة التحقيق في مجلس 1992، ثم تحولت إلى لجنة لتقصي الحقائق، وأصدرت تقريرا لم ينشر حتى اليوم، وهو ما أدى إلى ظهور طبقة جديدة من القياديين أمنوا العقوبة، كون الغزو أكبر كارثة شهدتها الكويت ولم تتم محاسبة أي مسؤول فيها.

أضف إلى ذلك، تراجع الدولة عن إدارة علاقاتها الخارجية، لتفسح مجالا أكبر لنواب البرلمان ممن يتكسبون على هذا الملف، وجلهم غير مدرك لعمق الكويت العربي أو بعدها الإقليمي، خصوصاً أنها كانت يوما ما اللاعب الرئيس بالمنطقة.

بعد عشرين عاما على الغزو العراقي لم يتبق لنا إلا استذكار تلك الجريمة، وتحويلها من مجرد ذكرى إلى مثال يضرب للإشارة إلى الوحدة الوطنية، وكأننا نحتاج إلى استعادة الغزو مرة أخرى لنعيش تجربة اللحمة الوطنية.