طبقا لكلامهم... صدام خوش آدمي!
وأخيرا انتهت موجة الاستجوابات بخيبة مقدميها بالرغم من وعودهم بمفاجآت، في يوم وصف بالتاريخي والناصع في تاريخ بلدنا ومسيرته الديمقراطية، وبالرغم من أن صعود سمو رئيس الوزراء إلى المنصة لأول مرة يعتبر تقدما في التعاطي مع الأدوات الدستورية، فإنني لا أرى فيه يوما ناصعا نظراً لمادة الاستجواب والأجواء التي صاحبته، فكم كنت أتمنى لو كان الاستجواب عن التردي المخيف للتعليم والصحة والخدمات في بلدنا، أو عن الخطة التي سنتبعها لإيجاد مصادر بديلة لتغطية ميزانية الدولة بدلا من النفط الناضب، أو عن فوضى الكوادر وزيادة المعاشات التي أقرها ديوان الخدمة المدنية من دون دراسة شاملة وما صاحبها من ارتفاع في التضخم. لكن ما رأيناه هو تقصد واضح لسمو الرئيس وللحكومة ولخدمة أجندة مخفية، وللتدليل على أن هناك معركة تدور في الخفاء نسوق هذه الأمثلة:
أولا، تلويح خصوم الرئيس بطلب عدم التعاون عندما تلقوا إشارات بعزم الرئيس على صعود المنصة، وكأنهم اعتقدوا أنه لن يصعد أبداً، وأن أهدافهم ستتحقق ويظهرون كأبطال أمام الشارع، فأرادوا أن يقولوا له بهذه الخطوة «لا تصعد».ثانيا، تكرار النائب فيصل المسلم في أكثر مناسبة بأن إعطاء الرئيس شيكات لنواب أمر غير مقبول أياً كانت المبررات، لكنه إلى الآن يبرر لزميله في كتلة «التنمية والإصلاح!» النائب وليد الطبطبائي تسلمه الشيك.ثالثا، الغمز واللمز من قبل أطراف قريبة من التكتل الشعبي على النائب ضيف الله بورمية واستجوابه لوزير الدفاع، وبأنه يريد خلط الأوراق، وبإيعاز من بعض الأطراف، واستمر هذا التهجم لبورمية بعد تقديم استجوابه من قبل صحيفة قريبة من التكتل.رابعا، شعور النائب الوعلان بخيبة أمل بموقف من اعتبرهم رموزا و«معلمين» من استجوابه، وأن هناك حسابات لعبت دورا في ذلك. هذه أمثلة لبعض الشواهد التي تدل على وجود أمر ما يدور في الخفاء، وهو ما يتطلب منا الوقوف مليا أمام هذه الاستجوابات، وألا نؤخذ بالصوت العالي والشعارات البراقة. طبعا سيقول البعض «انظر إلى ما قيل وليس من قال»، ولهؤلاء نقول: إذن لا تلوموا الشعوب العربية التي لم تفرق بين ما قيل ومن قال، ووقفت مع صدام عندما غزا بلدنا، لأنه كان يقول إن هدفه تحرير القدس وضرب إسرائيل؟! لذلك، يجب علينا عند اتخاذ الموقف السياسي أن ننظر إلى جميع الأبعاد، وليس إلى جزئية واحدة حتى لا نكون جسرا لتحقيق أهداف تخريبية أسوأ من بعض المخالفات في السلطة التنفيذية.أما بالنسبة لسرية الاستجواب، فلا أريد أن أدعي أن جميع من صوت مع السرية فعلوا ذلك للمصلحة العامة، لكن هذا لا ينفي أن هناك فعلا نواباً وقعوا بين مطرقة المؤزمين وسندان الحكومة الضعيفة، وصوتوا مع السرية انطلاقاً من المصلحة العامة (خصوصا أنها طبقا للدستور) وتقديراً للظروف التي يمر بها البلد وللأجواء المتشنجة التي صاحبت الاستجواب كون الرئيس أول مرة يصعد فيها لمواجهته، وحماية للديمقراطية التي تتربص بها بعض القوى الإقليمية، وقد رأينا محاسن السرية وما رافقها من طرح هادئ بعيد عن التشنج واستعراض العضلات الذي كان متوقعا أن يحدث لو كانت علنية. أما من أراد التخوين ووصم الموافقين على السرية بخونة الدستور والبصامين، فشهادته مطعون فيها، خصوصاً النائب الطبطبائي الذي كان هو ومسلم البراك من الذين أنجحوا تحويل استجواب النائب سيد حسين القلاف لوزير الداخلية محمد الخالد عبر تصويتهما بغير موافق على التحويل، بينما كان الامتناع سيسقط طلب السرية، ولذلك صوت معارضو السرية بالامتناع بينما كان التصويت بغير موافق هو تصويت باطني بالموافقة!إذن علقوا المشانق كما شئتم، فقد علقت مشانق أكثر عندما صوت ثلاثة نواب ضد القرض الصدامي في الثمانينيات، وبان الحق وصحة موقفهم سنة 1990، وفي النهاية لا يصح إلا الصحيح. كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراءيمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة