يكشف كتاب «ثمن الحرية» للكاتبة نبيلة النغيمشي، الأسرار المتعلّقة بالشخصية التسلّطية وكيفية التعامل معها، ويقدّم اقتراحات للوقاية والوعي والاستفادة من تجارب الآخرين، كذلك يعرض قصصاً واقعية ويوجّه نصائح لتقدير الذات، خصوصاً في مواجهة شخصية متطلّبة نجدها في علاقاتنا الاجتماعية والأسرية وفي محيط العمل.

Ad

توضح النغيمشي أن التسلّط الذي لا يقدّر وجود الشخص ككائن حرّ ومستقلّ هو أحد انواع العبودية، وتركز على أهمية تخلُّص الشخص من مخاوفه والتعرّف إلى حقوقه والدفاع عنها من أجل الحرية التي شُنَّت بسببها المعارك عبر التاريخ وهي كنز لا يقدّر بثمن.

تؤكّد النغيمشي خطورة عدم الاستقلال الشخصي الناتج من وجود شخصية متسلّطة مسيطرة تتحكّم بالاتجاهات والرغبات الخاصة، سواء عن حسن نية أو سوء نية، تقول: «لا نشكك في حسن نية المتسلّط ولكن نطالب بحماية أنفسنا من النتائج السلبية والدمار النفسي».

تعريفها

يتميّز صاحب الشخصية التسلّطية بسلوك محافظ ، يميل الى الشكّ والاستهزاء بالآخرين وممارسة القوة والسيطرة والقيادة، يسعى إلى الحصول على متطلّباته عبر طرق لطيفة ومقبولة أو عنيفة ومرفوضة. من هذا المنظور يبدو الشخص المتسلّط كأنه لا يميّز بين الصحّ والخطأ إلا من خلال منطقه الخاص، من دون الأخذ في الاعتبار وجهات نظر الآخرين، ويريد تشكيل العالم على هواه وغير مستعدّ للتنازل عن أفكاره حتى لو لم تناسب المنطق والواقع.

في مجال التربية، الأسلوب التسلّطي قمعي وجامد، يفقد بسببه الأبناء القدرة على الإبداع والتفكير الحرّ واتخاذ القرار المناسب في الأوقات الحرجة لأنهم لم يتعلّموا كيفية التعامل مع المشاكل الحياتية من دون مرشد، إذ كان ثمة من يتّخذ عنهم القرارات على الدوام.

بين القوّة والتسلّط

كثيراً ما يحدث خلط بين هاتين الشخصيّتين خصوصاً عندما يكون هؤلاء الأشخاص في مركز القرار، فيوصف هذا النمط من الشخصية التسلّطية بالشخصية القوية بسبب جهل معنى قوة الشخصية الحقيقي، أو الخوف اللا شعوري تجاه التسلّط وما ينتج منه من شعور بالخطر من سلوك تسلّطي يستند إلى الانفعالات لا الحقائق والوقائع.

تتميّز الشخصية القوية بالمواصفات التالية:

- ثقة عالية بالنفس.

- التعامل مع الأحداث والناس بمرونة واضحة .

- تقبّل آراء الآخرين وطرح وجهات نظر مختلفة.

- مناقشة الآراء المخالفة من حيث منطقيتها وفائدتها.

- اتخاذ القرار بعد دراسة بما يتناسب واحتياجاتها.

- التعايش مع الغير واحترام الاختلاف الديني والعرقي والسياسي...

- تقبّل حرية الانسان في اختيار هويته الشخصية وكل ما يتعلق بها من قيم ومبادئ.

- اتزان نبرة الصوت.

أما أبرز سمات الشخصية التسلّطية فهي:

- التمسّك بالرأي وعدم الاعتراف بالخطأ وعدم تقبّل الآراء المختلفة.

- صعوبة التحاور معها بهدوء وموضوعية.

- الخشية من التغيير.

- اعتبار الاختلاف بالرأي أو النصيحة أنه انتقاد لها ما يثير عصبيّتها.

تتفاوت نسبة وجود هذه السمات من شخص إلى آخر وقد تتغيّر حدّة وجودها لدى الشخص نفسه من بيئة إلى أخرى بفعل أسباب تساعد على تغييرها.

علم النفس

ثبت علمياً أن الوراثة والتنشئة الأسرية مسؤولتان بنسبة 50% عن تكوين السمات الشخصية والسلوكيات بما فيها السلوك التسلّطي.

لذا نجد أن الشخصية التسلّطية هي «امتداد للمعاملة المتسلّطة» في الطفولة وبسببها قد يخسر الشخص التسلّطي مقومات الشخصية العائلية والاجتماعية المتّزنة .

هل أنت ضحية لشخصية متسلّطة؟

تستخدم الشخصية المتسلّطة طرقاً مختلفة لتحقيق مصالحها ونيل ما هو أكثر من حقّها، وقد تصل إلى العدوانية والضرب والتحقير والأذى اللفظي للشريك في الحياة الزوجية، فيقع هذا الأخير ضحية التسلّط ويلهث لإرضاء الشريك المتسلّط ويتخلى عن رغباته وأهدافه وحاجاته كافة في الحياة، خوفاً من عقوبة وطمعاً بالإرضاء.

ثمة مؤشّرات توضح مدى وقوعك كضحية لتسلّط الشريك أبرزها:

- شعورك الدائم بالخوف منه أو عدم قبوله لك.

- لا تعرف كيف تسعده.

- الحيرة نتيجة عدم وضوح ما يريده.

- شعورك بالذنب واللوم على حدوث المشاكل في العلاقة الزوجية.

- لا تستطيع اتخاذ أي قرار من دون الرجوع إليه أولاً لنيل موافقته.

- شعورك بالحرية والارتياح لدى خروج الشريك من المنزل.

- عدم تقدير الشريك لاحتياجاتك الخاصة بك.

- سيطرة الشريك على مشاعرك الخاصة.

- تقول وتفعل أموراً لا ترضى عنها لتتجنّب إغضابه.

- تشعر بالخوف من أن شيئاً ما قد يحدث إذا لم تفعل ما يريده منك.

- الجهد الذي تبذله في العلاقة الزوجية أكبر من الجهد الذي يبذله هو، ومن الممكن تطبيق هذا الأمر على أي علاقة، سواء مع الأم أو الأب أو الإبن أو الصديق أو الرئيس في العمل.

ليس بالضرورة أن تجتمع النقاط السابقة كلّها في شخصية واحدة لتعطي تصوراً إلى أي درجة قد يكون الشريك متسلطاً وإلى أي درجة قد تصل الأمور إليها مستقبلاً، فهي علامات لا بدّ من تتبّعها وقياسها دائماً بهدف الحدّ من السلوك التسلّطي لدى الشريك وقبل أن يتفاقم ويفقد الشريك - الضحية ثقته بنفسه وتضعف همته وقدرته. يكون إصلاح الأمور في بدايتها أسهل دائماً ونتائجه سريعة ومن دون خسائر تذكر.

خطوات التحرّر

تكمن خطورة الشخصية التسلّطية في الأضرار النفسية التي تصيب الضحية مثل الشعور بالغضب والعدوانية والاكتئاب... بالإضافة الى الأمراض الجسدية.

من المهم جداً أن يعرف الشريك - الضحية أنه يتحمّل المسؤولية كاملة بالسماح للشريك بممارسة تسلّطه عليه، وأن لديه الخيار بألا يكون ضعيفاً ويحافظ على صحته النفسية والجسدية ويتحرر بالطريقة نفسها التي يختار فيها حاجات حياته.

تعتبر استعادة الثقة بالنفس إحدى أهم الخطوات نحو التحرّر، من المهم أن يبدأ الشريك- الضحية ببناء ثقته بنفسه واستعادة تقديره لذاته قبل أي خطوة أخرى، فلا بد من القوة الداخلية قبل أي مواجهة. كذلك من المهم أن يتعرّف إلى نقاط ضعفه ونقاط قوته، ويتخلّص من ضعفه بتكرار عبارات يومية يختارها مثل: «خلقني الله حراً وأستحق أن أعيش حراً، أتقبل جمالي، أنا ذكي، أتمتع بروح مرحة»... ويتبنى التوقعات الإيجابية المشجعة، ويضع لنفسه هوية واضحة بتقوية إدراكه ووعيه لنفسه.

حلول وسط

في مرحلة الحوار هذه، يفضّل أن يبدأ التعارف مجدداً بين الزوجين بطرق ودّية وبجو من الحبّ والإلفة، فتحدَّد الأمور التي يرغب فيها الطرفان ومن شأنها تحسين العلاقة الزوجية، التعرّف إلى حاجات كل طرف واحترامها، التعهّد بالالتزام لتحقيق السعادة، ولا بد من توافر التزام في الإدراك واليقظة والثقة بالنفس والحفاظ على الهوية. تشير النغيمشي في هذا الإطار إلى أن أي سلوك جديد لا بدّ من ممارسته والتدريب عليه 21 يوماً ليثبت في الشخصية.

أخيراً، تشدّد النغيمشي على أن حالات الضحايا الانهزامية والحالات المتسلّطة المتطرّفة تحتاج إلى مساعدة الاختصاصيين النفسيين، والعلاج ضروري لتفادي الحوادث المستقبليّة وتفاقمها.