تتحدث جهات دبلوماسية واسعة الاطلاع في بيروت عن حركة استقطاب وتجاذب عربي مستجدة في خصوص الملف اللبناني على خلفية سعي الثلاثي العربي، المملكة العربية السعودية ومصر وقطر، إلى أداء دور في ترسيم أطر المرحلة المقبلة انطلاقاً مما يعانيه لبنان على الصعيدين الداخلي والخارجي.

Ad

ولاحظت هذه الجهات حركة عربية "استثنائية" في اتجاه بيروت ودمشق خلال الأسبوع الماضي تمثلت في زيارة وزير الخارجية المصري أحمد أبوالغيط لبيروت، مروراً بزيارة الموفد السعودي الخاص الأمير عبدالعزيز بن عبدالله لدمشق قبل يومين، ووصولاً  إلى زيارة رئيس الوزراء القطري وزير الخارجية الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني للعاصمة اللبنانية.

وفي رأي الجهات الدبلوماسية المعتمدة في بيروت فإن هذه الحركة الناشطة وإن كان ظاهرها ينقسم إلى شقين: الأول يتعلق بمعالجة العلاقات اللبنانية–السورية وتحديداً تسوية ما لايزال عالقاً بين رئيس الحكومة سعد الحريري والرئيس السوري بشار الأسد، والثاني يتعلق بتأمين شبكة حماية للبنان في مواجهة التهديدات الإسرائيلية على خلفية الاتهامات الموجهة إلى حزب الله بإدخال صواريخ جديدة إلى ترسانته العسكرية من شأنها التأثير في موازين القوى القائمة مع إسرائيل منذ انتهاء حرب تموز 2006، فإنها تحمل في طياتها تسابقاً عربياً، وتجاذباً بين كل من الرياض والقاهرة والدوحة للعب دور في ترتيب العلاقات اللبنانية-اللبنانية، والعلاقات اللبنانية–السورية.

وتتحدث الجهات الدبلوماسية ذاتها عن أن التنسيق السعودي–المصري الذي ساد سنواتٍ في خصوص لبنان يعاني منذ الانفتاح السعودي على سورية عثرات وتحفظات مصرية كثيرة على خلفية اعتبار القاهرة أن الرياض سلفت دمشق الكثير من الأوراق اللبنانية والعربية، وساهمت في إهدائها الكثير من الأوراق الأوروبية والأميركية من دون مقابل ولا ضمانات واضحة بتنفيذ متأخر لما هو مطلوب من سورية في لبنان والمنطقة، في حين أن قطر التي رعت، مستفيدةً من الاصطفاف السعودي إلى جانب قوى 14 آذار، وبالتالي رفض سورية يومئذٍ أي وساطة سعودية، اتفاقَ الدوحة بين اللبنانيين على أثر مواجهات 7 أيار 2008 في بيروت، والتي كان لها من خلال الاتفاق الذي رعته دور مؤثر في انتخاب رئيس الجمهورية ميشال سليمان وتشكيل الحكومة التي أعقبت انتخابه، بدأت تشعر بأن الملف اللبناني بدأ يعود شيئاً فشيئاً إلى دائرة التفاهم السعودي–السوري مما ينعكس سلباً على دورها الإقليمي الناشئ  الذي تسعى إلى بنائه منذ سنوات.

وعلى الرغم من أن ظاهر الحركة العربية المتعددة الأطراف في اتجاه لبنان يوحي بنشاط عربي استثنائي لتجنيب لبنان أية انتكاسات داخلية أو إقليمية، فإن المصادر الدبلوماسية في بيروت لا تخفي مخاوفها من أن تكون الحركة العربية هذه جزءاً من حرب نفوذ عربية باردة على الساحة اللبنانية هدف أطرافها حجز أكبر عدد ممكن من الأوراق اللبنانية المؤثرة لاستخدامها في التجاذبات الإقليمية الكبرى القائمة حول الأحجام والأدوار، مما يزيد هشاشةَ  الوضع اللبناني، ويعرضه لضعف يصيب مناعته السياسية وينعكس سلباً على قدرته على مواجهة الملفات الداخلية والإقليمية الشائكة.