سرى علوش في ملتقى الثلاثاء
ينفتح ملتقى الثلاثاء الثقافي على كل ألوان الطيف الأدبي في الكويت، ولعل ما يميز هذا الملتقى تنوع أمسياته الأدبية والفكرية، وانفتاحها على الأفق الثقافي العربي الأرحب.
وكان لافتاً ما شهدناه في الأمسية الشعرية التي عُقدت مساء الثلاثاء المنصرم، للشاعرين السوريين عمر إدلبي وسُرى علوش، وهما صوتان شعريان يكادان يكونان مجهولين بالنسبة إلى الأوساط الثقافية المحلية في الكويت، وإن اعتبرنا أن إدلبي معروف بالنسبة إلى البعض نظراً إلى تجربته التي تمتد عمراً أطول من زميلته سُرى، وإصداراته العديدة، لكن السؤال يظل معلقاً بالنسبة إلى الشاعرة علوش التي أدهشت الحضور بتجربتها الشعرية الناضجة ولغتها الخاصة، إضافة إلى جملتها الشعرية التي تأسر المتلقي، بعيداً عن مفاتن البلاغة وسطوة المجاز اللغوي.اتسعت دائرة الدهشة حين علمنا أن علوش مقيمة في الكويت، وتعمل في مجال التعليم، ما جعل بعض الحضور يطرح عليها سؤال الغياب، وعدم مشاركتها في الأنشطة الثقافية المحلية، فأجابت: حاولت التفاعل مع النشاط الثقافي المحلي أول مجيئي إلى الكويت، لكني شعرت بعزلة بعض الشيء ولم أجد التفاعل الكافي مع أنشطة هذه المؤسسات، ففضلت العزلة والانطواء.كيف يمكن للمرأة أن تمتلك صوتها الشعري الخاص بها؟ سؤال خطر لي وأنا أستمع إلى قصائد علوش، التي استطاعت التخلص إلى حد كبير من عقدة التمحور حول الرجل، أو وصف ذوبان المشاعر أمام الحضور الطاغي للرجل، بفحولته، وصفات الذكورة التي لا تكاد تغيب عن أذهان النساء.في قصيدة «احتمالات» كان ملاحظاً حميمية الذات واللغة المبسطة التي تنطلق منها علوش، تقول: لا أستطيع الكتابة عن وجعي كالنساء/ ولا دفن أسراره في التراب/ ككل الرجال المملة أحزانهم/ حين يهبط نحو قصائدهم وحي أنثى/ كنت أكبر من أن ألامس جرحي بسيجارة/ أو أرممه بالحصى/ كنت أصغر من يده المطمئنة لي قبل هذا الغياب المباغت».نجحت الشاعرة في صنع مواءمة بين حالة التداعي التي يتكئ عليها نصها، وبين لغتها الشعرية، لذا كان سهلاً عليها النجاة من مأزق المباشرة الذي يقع فيه كثير من النساء حين تكون نصوصهن متمحورة حول الرجل، أو حول علاقة الأنثى بالرجل، ثمة خيط شفيف يجر النص من أذنيه، ويضعه في الموازنة بين الإحساس والصورة الشعرية، القائمة على صنع المفارقة والدهشة، فالمشاعر وحدها ليست كافية لصناعة قصيدة جميلة.لم تكتفِ علوش بنص «احتمالات» المشار إليه، إنما طرقت باب السؤال الوجودي، عبر نصها «أسئلة» الذي وإن خاطب الموت بلغة ساخرة، لكن قلق المصير المجهول وسؤال الأبدية يحاصرانها من جميع النواحي، تقول:«لم تُجِب هذه الأرض أسئلة الموت في داخلي/ لم تصنع نفسها بين سكانها كي ترد على الذكريات التي يتركون/ إذا أفلتتهم يد الريح/ أو أغلق العمر أبواب سهراته العابرات/ فلم يبصروا أحداً».لعل أمسية ملتقى الثلاثاء تفتح مجالاً للمقارنة بين ما يؤديه الملتقى، وعمل المؤسسة الرسمية في الكويت، ممثلة في رابطة الأدباء والمجلس الوطني للثقافة، مع إقرارنا بأن للعمل المؤسسي اشتراطاته وظروفه الخاصة التي تكبّله، أو لا تتيح له حرية التنقل والحركة كما هي الحال مع التجمعات الأدبية الموازية، لكن هذا ليس مبرراً كافياً لتغييب الأصوات العربية المقيمة بيننا في الكويت، فاحتضانهم وتسليط الأضواء على إبداعاتهم أمران يثريان المشهد الثقافي المحلي، لأن لكل واحد من هؤلاء المبدعين المغتربين تجربته الخاصة، وبعض تجاربهم غني جداً، وبالتأكيد سيضيف كثيراً إلى المبدعين من جيل الشباب.