انتهى استجواب وزير الإعلام ووصلت الرسالة إلى جميع الأطراف، الحكومة وفريق المستجوبين والفريق النيابي الذي وقف إلى جانب الوزير، ولكل معسكر الحق في فهم تلك الرسالة "سياسياً وحسابياً" حسب الطريقة التي يراها، رغم جزمي أننا شعب يعرف قراءة الكلمات، لكنه لا يجيد قراءة الأحداث واستنباط العبر من التجارب.

Ad

في مقال اليوم سأركز على مواقف ثلاثة نواب من الاستجواب، لأن تعاملهم منه كان الأبرز من حيث تغير قناعاتهم الأولية من الاستجواب عند تقديمه، وهم علي الراشد وسعدون حماد وغانم الميع، رغم أن تصويت النائب حسين القلاف بالامتناع كان لافتاً، فإن من يعرف طبيعة العلاقة الشخصية غير "الحميمة" بين القلاف والعبدالله لن يستغرب ما حدث، إضافة إلى أن القلاف، وهو خبير في إرسال الرسائل، أراد أن يكون امتناعه رسالة "زعل" على الحكومة لتصويتها على رفع الحصانة عنه في جلسة مناقشة الاستجواب قبل أسبوع.

معلوم أن كتلة العمل الوطني، والراشد أحد أعضائها، قد أصدرت بياناً أيدت فيه الاستجواب من حيث المبدأ بعد تقديمه مباشرة، رغم أن هذا البيان لا يعني أن أعضاء الكتلة سيصوتون لمصلحة حجب الثقة عن الوزير عند مناقشة الاستجواب، أو حتى الامتناع، بل كنا ندرك أن أغلبهم سيمنح الثقة للوزير، لكن ما كنا نعرفه وتعرفه الحكومة قبل غيرها، أن أحداً منهم لن يتحدث مؤيداً للوزير في جلسة المناقشة أو في جلسة التصويت على حجب الثقة.

علي الراشد خلال كلمته في الجلسة قال إنه لم يكن ينوي الحديث مدافعاً عن الوزير، فما الذي حدث يا ترى؟ أعتقد أن حديث مرزوق الغانم كمؤيد للاستجواب، قد أحرج نواب الكتلة، فالغانم خلال مرافعته حرص على التأكيد على المبررات التي جعلته يؤيد الاستجواب وحجم الضغوط والإغراءات التي تعرض لها لتغيير موقفه، ما أعطى انطباعاً بأن غيره من نواب الكتلة تعرضوا لتلك الضغوط وقبلوا بها، الأمر الذي أحرج نواب "الوطني" الآخرين، حيث بدؤوا بتبادل الأحاديث فيما بينهم بعد أن تنازل خالد الطاحوس عن دوره لمرزوق، ولعل ما يثبت أن الغانم قد وضع نواب العمل الوطني في زاوية ضيقة، تلك العبارة الانفعالية غير المبررة التي قالها عبدالرحمن العنجري قبيل تنازله عن دوره لعلي الراشد.

في المقابل حضر سعدون حماد تجمع الأندلس والعقيلة وأقسم القسم الشهير، وهو بشخصه وقبيلته ومن صوّت له، قد تعرضوا للازدراء من قبل مالك القناة التي أثارت الفتنة، وقد حضر ثلاثة اجتماعات تنسيقية للاستجواب، بل إنه بعد تقديم الاستجواب أصدر بياناً يؤيد فيه مسألة وزير الإعلام، ويؤكد أن الاستجواب قدم في وقته المناسب.

إن مطالبة سعدون كتلة العمل الشعبي بالاعتذار له كي يصوت مع طرح الثقة في الوزير، وموقفه المتصلب تجاه ذلك، يذكرني بمقولة الزير سالم الشهيرة "أريد كليباً حياً"، كشرط لوقف القتال مع أبناء عمومته عندما قتل جساس كليباً، كما أن موضوع الاعتذار يسيء إلى سعدون قبل غيره، فهو من حيث لا يشعر يثبت للناس أنه لا يصوِّت حسب قناعته، بل يصوِّت وفق مفهوم "الجاهية" وحب الخشوم، لا وفق المبادئ والقناعات.

على أن موقف غانم الميع كذلك لا يختلف عن صاحبه سعدون، فالميع حضر تجمع العقيلة من تلقاء نفسه وبإرادته، وقد استمع إلى المتحدثين قبله وهم يقسمون، وشاهد بأم عينه موقف الجماهير من النائب الدويسان عندما رفض القسم رغم أنه طرح الثقة في الوزير بعد ذلك، وعندما تحدث الميع أقسم.

كان على الميع أن يصدر بياناً بعد تجمع العقيلة مباشرة يكشف فيه كل شيء، أو حتى عندما قدم الاستجواب، أو على الأقل بعد جلسة الاستجواب، لكنه تأخر في تحديد موقفه إلى ليلة الاستجواب، ويا ليته في بيانه قد أوضح أن تغيير رأيه في الاستجواب جاء نتيجة تفنيد الوزير للمحاور، وإجادته في الرد على كل ما أثاره النائب الدقباسي في استجوابه، بل عزا ذلك إلى ما سماه "لي الذراع"، وكأننا في "هوشة"، وربط موقفه الجديد بأحداث الصباحية، وكأن من استجوب وزير الداخلية مرتين هو غانم الميع وليس مسلم البراك الذي عرض في استجوابه الأول صور المدرعات وهي تقتحم ديوانية الميع!