الأغلبية البرلمانية يفترض أن تكون صمام الأمان لأي قرار في مجلس الأمة، والأغلبية البرلمانية هي البوصلة التي تحدد معالم البرلمان والمؤشر الذي يعكس توجهاته وطريقة أدائه، ودائماً تكون الأغلبية هي الفيصل في حسم الاختلاف في وجهات النظر وترجيح كفة التصويت النهائي.

Ad

والأغلبية البرلمانية هي ذاتها في أي نظام برلماني في العالم حيث تضم الأكثرية العددية المتفقة في الرؤى والمواقف، وعادة ما تكون متماسكة من بداية الدورة الانتخابية حتى نهايتها، وفي حال انفراط عقد هذه الأكثرية العددية يكون الاحتكام إلى الشارع والدعوة إلى انتخابات مبكرة.

والتجربة الكويتية الفريدة من نوعها سياسياً لا تحظى فيها الأغلبية البرلمانية باليد الطولى في كل شيء، ويكون تقييمها من قبل الحكومة وليس العكس، فالحكومة بحسب الدستور الكويتي لا يشترط في تشكيلها نيل ثقة المجلس، بل لا يتطلب في تمرير مشاريع القوانين المقدمة من قبلها موافقة الأغلبية البرلمانية، بل يكفيها تأييد ثلث أصوات النواب لترجيح كفتها في العملية التشريعية.

ومع ذلك، فإن تقييم الحكومة للأغلبية البرلمانية يعتمد على المزاج السياسي ومصلحة الحكومة الضيقة، فهذه الأغلبية تكون عزيزة ومخلصة وحكيمة وراشدة ومحبوبة إلى القلب في حال منح الثقة لأي من أعضاء الوزارة بعد أي استجواب وتقديم طلب طرح الثقة بالوزير المستجوب، ويكون النواب الذين يجب أن يزيد عددهم عن نصف الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس، هم راية النصر للديمقراطية وعامل استقرار سياسي، وأصحاب العقول العقلانية عندما ينقذون الحكومة من السقوط السياسي.

ونفس هذه الأغلبية البرلمانية وبغرابة شديدة تتحول بقدرة قادر إلى رموز للتشدد والمزايدة السياسية، ومدغدغي عواطف الناخبين ومعاول هدم للاستقرار السياسي وغير ذلك من الصفات السلبية في حالة التصويت بعيداً عن إرادة الحكومة في الجانب التشريعي، وفجأة تصبح الأغلبية التشريعية مكروهة ومنبوذة ولا تتمتع بالحكمة والرشد السياسي!

والمفارقة هنا... بسبب صغر حجم البرلمان الكويتي المكون فقط من خمسين نائباً، فإن الأغلبية التشريعية التي يجب ألا تقل عن 33 نائباً في معظم الأحوال تضم العديد من الأسماء التي يتم نعتها بالصفات الجيدة وخلال ساعات يتم وصفها بالعبارات السلبية!

والأدهى من ذلك، فإن الأغلبية البسيطة- أي النصف زائد واحد في البرلمان- التي يمكنها أن تنقذ الحكومة برمتها أو أحد وزرائها من الرحيل السياسي عبر منح الثقة المتبوعة بالمساءلة النيابية، يمكن أن تكون هي ضحية الرحيل السياسي في حالتين: عند وضوح المؤشرات الرقمية بعدم التعاون مع الحكومة، أو الأصرار على موقفها لإقرار القوانين التي لا تقبلها الحكومة.

لذلك، لانجد في أي تجربة في العالم ككل مثل هذا الدلال السياسي للحكومة من قبل الأغلبية البرلمانية، ومع ذلك، فإن الحكومة في معظم المناسبات تتنكر لفضل هذه الأغلبية ولا تحترم إرادتها المستمدة من إرادة الأمة والرأي العام الشعبي عندما تجمع على مقترحات تتلمس معاناة السواد الأعظم من الناس.

وإذا كانت الشواهد على مزاجية الحكومة في تقييم الأغلبية البرلمانية وتقديرها ممتدة على مدى العهد الدستوري منذ عام 1963 كثيرة ومتنوعة، فإن تجربة الأسبوعين الماضيين هي أقرب وأوضح مثال على ذلك، فالرقم النيابي الذي جدد الثقة برئيس مجلس الوزراء كان (35) نائبا محبوباً وحكيماً، واليوم نفس هذا الرقم (35) نائباً من المؤيدين لقانون إسقاط فوائد القروض عن المواطنين أصبحوا مكروهين ومنساقين الى دغدغة المشاعر، ومعولا سياسيا للتأزيم من جديد!

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة