إن جمهور الناخبين المليوني الداعم للرئيس الشعبي أحمدي نجاد هو «العين الساهرة واليقظة للدفاع عن الثورة وعرين الولاية» كما هو مدون في الدستور أصبح بلا شك قادرا على منع تحقق أي من «المنامات» التي يروج لها أصحاب مقولة «إيران أولا».

Ad

سواء اتهم «عقاب» النواب اللبنانيين إيران بعرقلتها تشكيل الحكومة في بلاده أو لم يتهمها فإن ثمة خيطا رفيعا يربط بين مثل هذه «المنامات» التي بدأ يكثر من رؤيتها مروجو مقولة «لبنان أولا» وتلك «المنامات» التي بدأ يكثر من رؤيتها على المقلب الإيراني الآخر، جماعة «إيران أولا» والتي تتهم لبنان و«رجاله» بأنهم هم من منع تحقق موجة «التغيير» التي وعدتنا بها واشنطن من بيروت إلى طهران.

فالحالمون بالتغيير على الطريقة الليبرالية من بقايا «العهد الأميركي الآفل» في لبنان كما في إيران لم يكونوا في وارد التصديق بأن الزمن الذي كان يوما أميركيا أثناء حكومة بوش واختطافها للمعادلة الدولية، تحول مع إفلاس كازينو القمار الدولي الذي كانت ترعاه الدولة الأعظم في العالم، إلى زمن الطامحين الجدد في إدارة شؤون العالم والتي تضم في صفوفها منظمات وحركات فاعلة جدا، وربما أقوى من بعض الحكومات في المعادلة الدولية، حتى إن لم تكن محسوبة في عداد الدول، كما يقول عنها سيمون هيرش في تقريره الشهير في مجلة الشؤون الخارجية الأميركية.

فـ«حزب الله» اللبناني بذراعه الفولاذية المجربة في حرب الـ33 يوما الدفاعية المجيدة أصبح قادرا بلا شك ولا ترديد على منع إعادة إنتاج أي سلطة في لبنان، لا تأخذ بعين الاعتبار حقائق ما بعد حرب تموز التي تجسدت على الأرض اللبنانية خريطة سياسية فاعلة، أيا كانت «المنامات» التي تعشش في أذهان المراهنين على الزمن الأميركي الآفل.

وكذلك الأمر فإن جمهور الناخبين المليوني الداعم للرئيس الشعبي أحمدي نجاد المدعوم من قوات حرس الثورة الإسلامية، وهو «العين الساهرة واليقظة للدفاع عن الثورة وعرين الولاية» كما هو مدون في دستور الجمهورية الإسلامية أصبح بلا شك ولا ترديد بقادر على منع تحقق أي من «المنامات» التي يروج لها أصحاب مقولة «إيران أولا» المنبهرين بالعصر الأميركي الآفل مثلهم مثل جماعة «لبنان أولا».

وعليه فليس صعبا تصور حالة اليأس والإحباط والانتكاسة التي عاشها ولايزال يعيشها أصحاب المشروعين في كل من لبنان وإيران، وكيف أنهم أخذوا يرمون التهم جزافا على «قدرهم المفروض عليهم من الخارج» فإذا بإيران تصبح هي المعطلة لتشكيل الحكومة اللبنانية كما يتوهم أصحاب المنامات الأميركية في لبنان، وإذا بـ«حزب الله» اللبناني يصبح هو المعطل لموجة «التغيير» الإيرانية التي كانت مرتقبة كما يروج أصحاب المنامات الأميركية في إيران، إنهم لا ينظرون أبعد من منخارهم، ولا يقرؤون إلا تقارير دوائرهم الصغيرة المحيطة بهم.

لقد تناقشت في الأيام القليلة الماضية مع أحد أركانهم في القيادة الوسطى قبل أيام هنا في إيران وهو من تلامذة الإمام الخميني الراحل كما يفترض، ولما اشتد نقاشنا حول أولوية «الإسلام أولا» في المشروع الخميني الكبير وضرورة الدفاع عن هذه المقولة مقابل مقولات الفصل العنصري الجهنمية، التي يروج لها الأميركيون في هذه الأيام في البلدان المختلفة بقوة، فإذا بأحد مساعديه من الوزن الثقيل يدخل علينا ويبدأ بعرض وجهة النظر الأصلية المخبأة، التي تقول إن الثورة الخمينية انتهت ولم يبق منها شيء، وإن منافسينا الانتخابيين اليوم يحملون السلاح- يقصد الحرس الثوري- فكيف تريد منا أن نخوض تجربة الدفاع عن ديمقراطية صناديق الاقتراع في ظلال بنادق الدفاع عن العالم الإسلامي، في وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلى طرح إسلام منفتح على الداخل كما على الخارج من دون وهج السلاح؟!

وهنا تذكرت نقاشات أصحاب نظرية «لبنان أولا» وكيف أنهم لا يرعوون في القبول بالتوطين ومن ثم التطبيع وصولا إلى العودة إلى نظرية لبنان قوي في ضعفه فقط، ومن أجل كسر استراتيجية الدفاع الوطني القائمة على ضرورة المقاومة الشعبية فقط.

في الحد الأدنى نستطيع القول عن أمثال هؤلاء إنهم ساذجون، إذ يعتقدون أن في الإمكان اليوم الدفاع عن أسوار أي من العواصم العربية أو الإسلامية من دون وضع استراتيجية دفاعية وطنية لبلدانهم، تتضمن فيما تتضمن الدفاع عن أسوار القدس الشريف وفلسطين كل فلسطين، ليس لأننا، كما يزعمون، فلسطينيون أكثر من الفلسطينيين، بل من أجل الدفاع عن الأمن القطري والوطني لبلداننا، ذلك أنك حتى لو قررت التخلي عن القضية الفلسطينية أو أي من قضايا البلدان الأخرى ممن تنتمي إليها في العرق أو الدين فإن الآخر لن يتركك مطلقا، وهل نسيتم مقولات العولمة لاسيما المتأمركة منها، وكيف أن العالم أصبح في مركب واحد، فإما أن ننجو سويا وإما أن نغرق جميعا؟!

ثم كيف يمكن الدفاع عن الأمن الوطني المحض وإسرائيل قائمة أصلا على قاعدة ضرورة إيصال الطاقة إلى العالم الغربي «ببلاش» ومنع قيام أي تكامل، ناهيك عن اتحاد بين أي اثنين في العالمين العربي والإسلامي حتى إن كانا من حلفاء الغرب الحميمين؟! ألم يُزرع هذا الكيان على هذا الأساس، وهو يمارس مهامه هذه بكل إتقان حتى الآن؟!

وعليه فإن الاقتدار الذي يبديه اليوم «حزب الله» اللبناني أو «حماس» الفلسطينية أو المقاومة العراقية الباسلة بكل أشكالها، وليس الإرهاب الأعمى طبعا والذي يطول المدنيين والموجه من الموساد والمخابرات الأميركية، أيا كان لواؤه أو المقاومة الأفغانية الشريفة التي تقترب من ابتلاع ما تبقى من العنجهية والغرور الأميركيين ومعها الأطلسي المذعور إنما يشكل بالطبع خيبة لأصحاب مشاريع لبنان أولا وإيران أولا، فيما تنعش دعوات التكامل الإقليمي التي يرفعها كل من بشار ونجاد رواد الزمن الجديد بامتياز.

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني