أعترف أني لم أكن ملماً بشكل كامل ولا أمتلك صورة واضحة عن مشكلة التلوث البيئي في ضاحية أم الهيمان (علي صباح السالم)، وأن قصارى ما كان معي من معلومات جئت بها مما يتناقله الناس شفاهة، ومما أتابعه من «تناتيف» لأخبار صحفية وتصريحات حكومية بين فينة وفينة، كانت تأتي كالحقن المخدرة للقضية وأصحابها، وأيضا على التفاعل النيابي المتقلب مع المسألة، والذي كان من حلقاته التهديد الذي أطلقه النواب خالد الطاحوس وسعدون حماد ومحمد الحويلة أخيرا باستجواب رئيس الحكومة، وذلك إن لم تقم الحكومة بحل المشكلة خلال 60 يوما، انتهت منذ زمن بعيد ولم نر بعدها من هؤلاء النواب، أو من غيرهم شيئا!

Ad

لم أكن متحمسا كثيرا للمسألة، خصوصا بعدما جاءت قصة التلويح باستجواب رئيس الحكومة وربط الأمر بستين يوما، لشعوري بأنها قد صارت ورقة سياسية أخرى، خرجت عن إطار الموضوعية، لكنني حظيت منذ أيام بفرصة الالتقاء بالمهندس أحمد الشريع، وهو أحد ساكني أم الهيمان المعايشين يوميا لحكاية التلوث البيئي فيها، وهو كذلك رئيس اللجنة التطوعية البيئية لأهالي منطقة أم الهيمان، فتغيرت نظرتي للموضوع تماما. أثق تماما بأن الأخ الشريع لايزال يذكر بأني قلت له وبالحرف الواحد، حين اتصل بي يطلب مقابلتي، بأني رجل أكاديمي يعتمد قبل تكوين قناعاته في مثل هذه المسائل على الحقائق والأرقام، لا على الكلام الإنشائي أو المواقف السياسية، وأذكر أنا تماما في المقابل كيف أنه لم يتأثر بهذا وأجابني بلغة واثقة هادئة: لنلتق يا دكتور وسأعرض عليك ما عندي ولك الحكم، والحقيقة أن ما كان لديه من حقائق ومعلومات وبيانات ووثائق تشيب منها الرؤوس، ولا يسكت عنها إلا من كان في نفسه مرض! الوئاثق التي عرضها الأخ الشريع علي كانت كثيرة ومتنوعة، ومنها ما يثبت بما لا يقبل التشكيك أن أم الهيمان كانت قد بنيت أصلا في موقعها هذا بعكس نصيحة صريحة وردت بتقرير رسمي صدر من وزارة الصحة في منتصف التسعينيات، ومنها كذلك تقارير صادرة من معهد الأبحاث تثبت بأن معدلات التلوث البيئي لكثير من المواد الكيميائية الخطرة والسامة فيها أعلى بكثير من كل معايير السلامة وصحة البيئة، ومنها كذلك دراسات تثبت بأن حالات الأمراض المختلفة- والتي يمكن ربطها علميا بهذه المواد المسببة للتلوث- في هذه المنطقة هي الأعلى وبشكل مرعب بين مناطق الكويت قاطبة.

أم الهيمان، هذه المنكوبة الواقعة في قلب منطقة تحدها مصادر التلوث بأشكالها المختلفة، سواء من حقول النفط أو من المصافي النفطية أو من المصانع الخاصة أو من محطة إنتاج الطاقة أو من مردم النفايات، هي منطقة منكوبة بيئيا بكل المقاييس، والإخوة في اللجنة التطوعية البيئية، وعلى رأسهم المهندس أحمد الشريع، قد سلكوا كل درجات السلم المتاحة لهم تصاعديا، فقد طرقوا بابي الحكومة ومجلس الأمة، وتواصلوا مع وسائل الإعلام بقدر استطاعتهم، وبذلوا كل الممكن لجذب الانتباه لقضيتهم المستحقة، ولكنهم لم يصلوا إلى نتيجة تذكر، ولم يخرجوا بشيء إلا بوعود حكومية انتهت كعادة الحكومة كما ينتهي الهواء الساخن، وبالعهود والمواثيق النيابية التي ثبت أن أغلبها مجرد شعارات انتخابية مزيفة لم يبر أصحابها بها، وستظل معلقة في رقابهم أمام الله والناس ولن ينساها التاريخ. واليوم تقف هذه اللجنة عند نقطة مفصلية في مسيرتها، حيث تنوي الاتجاه إلى باب القضاء المحلي، وإن لم يجد الأمر نفعا، وأتمنى ألا يحصل هذا، فلن ألوم أحداً منهم لو اتجه إلى الهيئات العالمية التي تعتني بتلوث البيئة، وتنشط عبر كل العالم دون اعتبار للحدود الجغرافية أو السياسية، فالقضية قضية تستحق ذلك وباقتدار، وأهالي أم الهيمان يدفعون ضريبتها يوميا من صحتهم وحياتهم، وليس من ملامة لأحد إن هو فعل أي شيء.

دعوتي أوجهها إلى كل نواب مجلس الأمة، وما كنت لأخص أولئك الذين زعموا أنهم سيتولون حمل هذه القضية من نواب الدائرة الخامسة فكتابهم قد اتضح من عنوانه، وما صمتهم اليوم وبرودتهم إلا دليل على أن «ما في الحمض أحد». دعوتي أوجهها إلى كل نواب المجلس للاهتمام الجاد والعاجل بهذه القضية، وقبل ذلك للحكومة ممثلة برئيسها بأن تكون على قدر المسؤولية تجاه هذا الأمر، فمثل هذا الموضوع لا يجب السكوت عنه، ولا يصح لأن يكون جزءا من أجزاء اللعبة السياسية والعبث والفوضى التي تجري على قدم وساق في هذا البلد.

قضية أم الهيمان تتفاعل، وأهالي المنطقة، وبالأخص الشباب منهم، لن يلتزموا الهدوء والصمت حيال هذا الظلم البيئي الواقع عليهم وعلى أبنائهم، وسينفجرون في أي لحظة، والحكمة تقتضي من كل الأطراف المسؤولة التحرك اليوم قبل أن تصل الأمور إلى ما لا يحمد عقباه!

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة