مسرَّحون مرفّهون


نشر في 16-07-2009
آخر تحديث 16-07-2009 | 00:01
 إيمان علي البداح في الكويت فقط يبدأ التفكير والحوار والصراع حول الحل قبل تعريف وتحديد المشكلة! فالكل يتسابق لركوب قطار «صندوق المسرّحين»، وبدأت الأرقام تتطاير من كل مكان للدفع الجزيل و»المجزي» للمسرّحين. وحتى يومنا هذا لا نعرف عدد هؤلاء بشكل رسمي وصحيح، ولا أسباب تسريحهم ولا مدى أحقيتهم في أي من أموال الدولة. وإن كان هناك مَن يملك هذه المعلومات فلا نرى كيف أن الدفع المباشر وغير المشروط سيحمي العمالة الوطنية التي لم تسرّح بعد أو يشجع القطاع الخاص على الاهتمام بالتكويت والمساهمة في تنشيط الاقتصاد وحماية الاستقرار الاقتصادي؟

في الأسبوع الماضي التقيت عددا من الشركات الخاصة البحرينية التي تعاني، ككثير من شركات المنطقة، الأزمة الاقتصادية العالمية، واطلعت على خططهم لتقليل المصروفات بشكل عام وتخفيض العمالة بشكل خاص. والفرق واضح بيننا وبينهم سواء على صعيد القطاع الخاص أو الحكومي. المسؤولية هناك مشتركة بين الخاص والحكومة ممثلة في ما يماثل وزارة الشؤون والتأمينات الاجتماعية لدينا، رغم أنه لا قانون يفرض التنسيق أو تحمل القطاع الخاص للمسؤولية، ولكنها مسؤولية أدبية يؤمن بها أرباب الأعمال تجاه المجتمع ككل وتشجعها الحكومة لعدم قدرتها على حل مشكلة البطالة بنفسها لقصور الإيرادات مقارنة بدولة الكويت. النتيجة أن القطاع الخاص ينسِّق مع وزارة العمل والتأمينات الاجتماعية لتوفير دخل للمسرّحين خلال فترة بحثهم عن وظيفة، وفي الوقت نفسه تقدم الشركات التدريب والتوجيه والاستشارة لكيفية التصرف في مكافأة نهاية الخدمة لإنشاء مشاريع صغيرة تعود بالدخل على المسرح، وتساهم في تحريك الاقتصاد. كما تساهم الحكومة عن طريق مشروع «التمكين» الذي يقابل «دعم العمالة» لدينا في تدريب وإعادة تأهيل المسرّحين بمهارات تناسب التغيير من احتياجات سوق العمل.

الفرق بيننا وبينهم هو الأخلاق ومفهوم المواطنة من ناحية وقلة الموارد من ناحية أخرى. فالبحريني بشكل عام يتمتع بدرجة عالية من الالتزام والأخلاقيات المهنية والإنسانية مقارنه بأقرانه في الخليج بمن فيهم نحن. وهذا الحس الأخلاقي العالي هو الذي يدفع الشركات والتجار في أوج أزماتهم المالية إلى التفكير في موظفيهم وبلادهم ويجعلهم- إن اضطروا إلى اتخاذ قرارات قاسية- قادرين على التخفيف من آثارها السلبية على المجتمع. هذا الحس الاجتماعي شبه مفقود لدى الكثير من مؤسساتنا للأسف. من ناحية أخرى، فإن ضعف الموارد المالية خلق روح الإبداع والابتكار لدى الحكومة لمواجهة أزمة تعصف بالعالم كله. أما نحن فالمال حلنا لكل المشاكل مما أعطى عقولنا وضمائرنا غفوة عميقة.

أشك بشدة من واقع تعاملي مع السوق في أن تكون لدينا مشكلة مسرحين حقيقية. ولكن إن وجدت، فإن حلها لابد أن يأتي من ضمن استراتيجية واضحة تلزم القطاع الخاص بجانب من الحل، وتحمي حقوق العمالة الوطنية فيه. وهذا لا يأتي بالمال فقط.

back to top