من أجمل ما قيل في مدح الذات، ما قاله عمرو بن كلثوم في معلقته التي بدأها بقوله:
أَلاَ هُبِّي بِصَحْنِكِ فَاصْبَحِيْنَـا وَلاَ تُبْقِي خُمُـوْرَ الأَنْدَرِيْنَـا، وختمها ببيت الشعر الشهيرإِذَا بَلَـغَ الفِطَـامَ لَنَا صَبِـيٌّ تَخِـرُّ لَهُ الجَبَـابِرُ سَاجِديْنَـا، وما بين المدح والغرور شعرة شبيهة بالتي تحدّث عنها معاوية، إلا أن الكثير من الناس قطع تلك الشعرة، وتخطى الخيط الرفيع الفاصل بين الكبرياء والاعتزار بالنفس، وخلط الاثنين معاً، وساد الشعور الخادع بالأهمية على باقي أحاسيسه، وزاده هذا الشعور أنفةً وحباً للذات مُلغياً حقيقة الآخرين، مضخماً الأنا لديه، متحولا بذلك إلى بالون كبير في حجمه... وما بداخله مجرد هواء!تجده صبياً لم يتجاوز العشرين من عمره، وعندما يمشي في السوق أو في أي دائرة حكومية، يقوِّس ذراعيه وكأنهما مسنودتان بعصا إلى جنبه، ويقلّب عينيه بين المارة عسى أن يخطئ أحد وينظر إليه، ويوقفه إن كان يمشي ويضع يديه عليه إن كان واقفا "ليش تخز" هكذا بكل بساطة، وقد يتطور الأمر ويصل الى التشابك بالأيدي من أجل "خزة"!وكأن هذا الصبي لايزال متأثرا بقصيدة شعر سمعها على إحدى القنوات الفضائية المثيرة للنعرات القبلية والطائفية، اعتقد خلالها "أنهم" هم فقط الرجال، و"أنهم" فقط هم الذين سيدخلون الجنة! وقد يُعذَر هذا الصبي لصغر سنه وجهله، ولكن مَن يجد العذر لمسؤول كبير في الدولة أو لعضو مجلس أمة... أو حتى لمَن يزيّن كتفيه بعلامات السماء، حين يعتقد أحدهم أن الله خلق الناس لخدمته وليرددوا معا أو منفردين "طال عمرك" أو "سيدي" ويتعامل مع الجميع على هذا الأساس... طبعاً إذا رأى مَن هو أعلى منه منصباً أو رتبةً، تجده مثل المبلل بالماء في "عز المربعانية" وتنقلب نظرات الاستعلاء إلى استجداء، وينفرد الحاجبان اللذان دائما ما كان أولهما من جهة الالتقاء منخفضين، وكأنه طالب مدرسة سمع صوت جرس نهاية الدوام!وينسى مَن لم يُعنه الله على نفسه، أن البكاء رديف له منذ ظهوره على الدنيا، وأيضاً يكون عندما يفارقها ولكن ليس بصوته... هو!
مقالات
معكم: الطاووس
04-03-2010