كانت هناك فرصة حقيقية لإنهاء الانقسام الفلسطيني لو أن حركة حماس تصرفت بدافع الحس الوطني وليس بدافع الحسابات التنظيمية والحزبية الضيقة جداً، ولو أنها لم تمنع أعضاء مؤتمر "فتح" الغزيين من مغادرة قطاع غزة، ولو أنها لم تخضعهم لإجراءات بوليسية لتعطيل مشاركتهم في هذا المؤتمر من خلال الهواتف المحمولة ووسائل الاتصالات الإلكترونية، بعد أن تعذرت مشاركتهم المباشرة رغم كل الوساطات العربية وغير العربية التي بذلت في هذا الاتجاه.
ويقيناً لو أن "حماس" لم تتصرف بالطريقة التي تصرفت بها، ولو أنها سمحت لأعضاء "فتح" بالذهاب إلى بيت لحم في الضفة الغربية للمشاركة في مؤتمر حركتهم، الذي أسَّس لانطلاقة فلسطينية جديدة كبادرة حسن نوايا، لاضطر الرئيس محمود عباس (أبومازن) إلى القيام بخطوة حسن نوايا مماثلة، حتى عندما كان هذا المؤتمر لايزال منعقداً، وأصدر قراراً ملزماً بإخلاء سبيل أعضاء حركة المقاومة الإسلامية المحتجزين في سجون السلطة الوطنية. إن "حماس" لم تفعل هذا وإن خالد مشعل لم يستطع تنفيذ ما وعد به الرئيس السوري بشار الأسد، وما وعد به كبار المسؤولين الأتراك، والسبب أنه ثبت بشكل قاطع أن صاحب القرار الفعلي في هذه الحركة ليس رئيسها المقيم في دمشق، وإنما قائد جناحها العسكري "كتائب القسام"، وهو أحمد الجعبري المقيم في غزة، الذي يقال إنه الأكثر ارتباطاً من كل زملائه بإيران وبفيلق القدس التابع لحراس الثورة الإيرانية. وهكذا فإن مؤتمر بيت لحم، الذي كان يُعتقد أنه سيكون نقطة الفراق بين تيارات واتجاهات "فتح" المتعارضة، وأن هذه الحركة التي هي صاحبة فضل إطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة ستصبح بعده ليس فقط رقماً واحداً يقبل القسمة بل ألف رقم، قد غرس بذور الانقسام في الحركة الأخرى المناوئة، التي هي حركة حماس، والتي كانت بالأساس وقبل هذا التطور تعاني صراعا خفيا بين قيادات دمشق، ممثلة في الأمين العام خالد مشعل، وقيادات غزة ممثلة في قائد الجناح العسكري الجنرال أحمد الجعبري. لم تستغل حركة حماس فرصة ذهبية كان من الممكن لو استغلتها وسمحت لأعضاء مؤتمر "فتح"، كبادرة حسن نوايا من طرف واحد، بحضور مؤتمر حركتهم الذي انعقد في بيت لحم في الضفة الغربية، أن تكرس نفسها كحركة وطنية مسؤولة بين الفلسطينيين أنفسهم، وأن تكسب احترام العرب والعالم، وأن تذهب إلى المفاوضات الفلسطينية - الفلسطينية، التي من المقرر أن تُستأنف في الخامس والعشرين من هذا الشهر، وهي أكثر قوة وتملك أوراقاً جديدة كثيرة. لكنها بسبب خلافاتها الداخلية وبسبب ارتباطاتها الخارجية، التي ثبت أنها غدت تشكل عبئاً حتى على قرارها الوطني، لم تستطع أن تفعل ما كان مفترضاً، وهذا من الواضح أنها ستدفع ثمنه غالياً في المرحلة التي استجدت بعد مؤتمر بيت لحم والتي ستوصل الحالة الفلسطينية بالتأكيد إلى الانتخابات التشريعية والرئاسية التي تشير كل التقديرات إلى أن "أبومازن" مصمم على إجرائها في بدايات العام المقبل. كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء
مقالات
فرصة أضاعتها حماس !
11-08-2009