تهدد الجامعة العربية، أطال الله عمرها وغفر لها ذنوبها ما تقدم منها وما تأخر، رداً على الضغط الأميركي الذي يتعرض له الفلسطينيون لحملهم على الانتقال من المفاوضات غير المباشرة إلى المفاوضات المباشرة، بنقل ملف عملية السلام إلى الأمم المتحدة وإلى مجلس الأمن تحديداً، وهذه خطوة من حيث المبدأ تستحق التقدير والإشادة، لكن بشرط أن يسبقها تحضير عربي جدي واستنفار فعلي من قبل الدول العربية التي لديها إمكانية الضغط على الأميركيين والأوروبيين، كي لا يتحول الأمر، وكالعادة، إلى مجرد إرغاء وإزباد، وإلى مجرد تبرئة للذات ورفع للعتب.

Ad

كان المفترض قبل أن تنتهي المفاوضات إلى هذا الاستعصاء أن يتجه العرب إلى مجلس الأمن، ولديهم أوراق جاهزة سلفاً، لإلزامه باستصدار قرار بإعلان قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو عام 1967، والدفع في اتجاه اعتراف العالم بها، أو على الأقل إرسال قوات دولية إلى الضفة الغربية، وإلى حدود قطاع غزة مع إسرائيل، لحماية الفلسطينيين من البطش الإسرائيلي المتوحش المستمر ببدائية القرون الوسطى منذ أكثر من ثلاثة وأربعين عاماً.

أما أن تنتفض الجامعة العربية هذه الانتفاضة المضرية بعد تثاؤب طويل وبدون استعداد وإعداد فإن هذا ينطبق عليه المثل القائل "العَليقْ عند الغارة لا ينفع"، والأفضل في مثل هذه الحالة، بدلاً من السباحة ضد التيار، أن يبادر العرب كلهم، العاربون والمستعربون، إلى تأييد المطالب الفلسطينية التي سيبلغها محمود عباس (أبومازن) إلى الموفد الأميركي جورج ميتشل الذي من المقرر أن يعود مجدداً إلى المنطقة في السابع عشر من هذا الشهر.

وهذه المطالب هي:-

أولاً: أن يكون هناك جدول أعمال محدد لهذه المفاوضات.

ثانياً: أن يوضع سقف زمني للتفاوض حتى لا تتكرر التجربة السابقة، إذ استمرت المفاوضات منذ عام 1994 حتى الآن بدون أي تقدم وبلا أي نتيجة.

ثالثاً: أن يوقف الاستيطان نهائياً قبل أن تبدأ المفاوضات المباشرة.

رابعاً: ألا يبتعد الأميركيون ويتخذوا موقف المراقب، وأن تكون مشاركتهم في العملية التفاوضية فعلية ومباشرة.

إنه بالإمكان إقناع الأميركيين بهذه المطالب، التي لا يجوز طرحها كشروط تعجيزية "تطفيشية"، وبالإمكان استدراج الروس والأوروبيين لدعمها وتأييدها، والضغط على الإسرائيليين لقبولها، لكن هذا يقتضي أن يتحرك العرب بسرعة، وأن ينطلقوا في كل الاتجاهات بدبلوماسية رشيقة نشيطة، أما أن يضعوا أنفسهم ويضعوا الفلسطينيين أيضاً في مواجهة الإدارة الأميركية فإن هذا هو ما يريده بنيامين نتنياهو، وما يريده الصهاينة والمتصهينون في الولايات المتحدة.

يجب أن تعرف الجامعة العربية، وأن يعرف العرب أن هامش المناورة لدى محمود عباس (أبومازن) يكاد يكون معدوماً حتى في الحدود الدنيا، وبالتالي فإنه في ظل هذا الواقع العربي والواقع الفلسطيني لا يستطيع رفض المفاوضات المباشرة التي تقف وراءها أميركا بكل جبروتها الطاغي وبكل إمكاناتها الهائلة، ولهذا فإن دعمه بتأييد هذه المطالب، الآنفة الذكر، هو أقل ما يمكن فعله لتحاشي الصدام مع الولايات المتحدة، ولحشد المزيد من الضغط الدولي ضد بنيامين نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة.