كلنا مثلك... وأكثر!

نشر في 21-07-2009
آخر تحديث 21-07-2009 | 00:00
 حمد نايف العنزي اسأل أي صديق، قريب، زميل، عن حاله وأحواله وسوف تسمع منه هذا الجواب: أبداً... أذهب إلى عملي كل صباح، أتعب وأمل وأقرف ثم أعود إلى المنزل، أتناول غدائي مصحوبا بفاصل من النكد تقدمه لي زوجتي لتسهل عليَّ عملية الهضم، أنام ساعة ثم أصحو منزعجاً، ريقي ناشف، وجسمي مكسر ومهدود!

أشرب إستكانة شاي أو فنجان قهوة ثم أمسك ورقة وقلماً لأدوِّن طلبات البيت، أذهب إلى الجمعية لأشتري ما أحتاج وما لا أحتاج، أتفحص الأسعار بعناية، وكلما وجدت سلعة قد ارتفع سعرها، لعنت صانعها ووكيلها ومشتريها الذي هو أنا، أتوجه بعد ذلك إلى أقرب مطعم، أتعشى ثم أعود إلى المنزل بعد أن يتلف زحام السيارات أعصابي، أشاهد التلفزيون بكل ما فيه من غثاء، مسلسلات البكاء والمآسي التي لا تنتهي، البرامج السياسية التي تجلب الهم وتقصر العمر، أفلام أشاهدها للمرة الألف تتخللها دعايات لا تنتهي... تمر الدقائق والساعات بطيئة حتى ينتصف الليل، "لأنخمد وأنام"، مصحوبا بالكوابيس المتقطعة حتى الصباح!

وإذا لاحظ صاحبك أنك مندهش من رتابة حياته وتفاهة يومه، فسيحاول أن يضيف بعض الإثارة قائلا: وأحيانا أزور الأهل أو يزورونني، أو أذهب إلى المقهى القريب، أو أمر "الربع" في الديوانية، أو "أفرفر" في المجمعات التجارية ممارساً هواية "الخز" الأصيلة!

وإن سألته عن الأولاد... سيشكو لك كسلهم في الدراسة ومصاريفهم التي لا تنتهي، وكيف أن نصف مرتبه يذهب إلى المدرسين الخصوصيين بلا طائل، وسيقول لك إن المناهج متخلفة، ومستوى التدريس ضعيف، وسيترحم على أيام زمان، حين كان كل شيء جميلاً ورائعاً، فالطلبة كانوا جميعا مجتهدين ومتفوقين لسبب واحد، هو أنهم آباء حالياً، وكل الآباء كما تعلمون كانوا "شطاراً" في شبابهم، لذلك كانت نسبتهم في الثانوية العامة أعلى من 50 في المئة بقليل!

ثم سينتقل في حديثه إلى السياسة كالعادة... "شفت إشقال مسلم البراك... شفت رد وزير الداخلية... بس الحكومة غلطانة... الأسعار زادت... يبا المجلس تأزيمي... الشوارع زحمة... والله الاستجواب ما له داعي... إحنا نتخلف وغيرنا يتقدم... ثلاثين سنة ما بنينا مستشفى... شفت الإمارات شلون صارت... جامعة مثل الأوادم ما عندنا... يقولك قطر ما راح تعطينا كهربا... بأسجل ولدي يدرس بالأردن... المسلم قال لن نتردد... السعدون يقول لن نقف مكتوفي الأيدي... علي الراشد ما يحب البدو... كله من الجويهل... محمد هايف بينظف الديرة من عبدة الشيطان... يقولون فيه ناس تعبد فيران... الحيتان ماكلين الديرة... المشكلة في الذئاب... كل المناقصات حق عايلة واحدة... الطبطبائي يقول المناهج خط أحمر... عاشور يقول تمس عقائدنا... ذبحتنا الواسطات الله يلعنها كله منها... إلا ما تعرف أحد يضبطنا بالعلاج بالخارج؟!".

وإن سألته عن صحته... سيحدثك عن معاناته اليومية مع الأمراض، السكر والضغط والقلب وإنفلونزا الخنازير، وعن طول مدة المواعيد وعن "الدكاتره اللي ما يعرفون شيء"، وعن أسعار الأدوية المرتفعة، وعن العيادات الخاصة التي تفتح لك ملفاً قيمته 50 فلساً... بعشرين ديناراً!

وسيكلمك حتماً عن قرضه الذي لا ينتهي، وعن الأقساط التي كسرت ظهره، وعن صندوق المعسرين، وعن إسقاط القروض، وعن عدم قدرته على السفر منذ سنوات، وعن "الزهقه" اللي يعانيها من طول بقائه في الديرة!

ومهما تعددت وتنوعت وتشعبت المواضيع بينكما، فستجد نفسك في واقع الأمر أمام واحد لا يختلف عنك كثيراً، "شقيان وتعبان" في حياته، مريض ومنهك ومهموم وتكاد روحه "تطق من الملل"، فهو وحده من يعمل كالحمار بلا كلل وغيره مستريح، والنتيجة لا مكافأة ولا تقدير، فالمكافأة تذهب لمَن يعمل منافقا وأراجوزاً للمدير، ولأنك كصاحبك ابن ناس ومتربي ومؤدب، فلا يمكن أن تتحول إلى أراجوز لتنال ترقية أو مكافأة تافهة، وإن كنت قد لمت نفسك كثيراً على عدم امتلاكك لهذه الموهبة العظيمة!

والمطلوب منك كمواطن مخلص وشريف، أن تكون رجلاً على قدر المسؤولية، وأن تصبر وتصابر في ظل الأوضاع الفاسدة التي تحيط بك من كل جانب، وأن تكون قوياً بقدر ما يتطلبه الأمر من حبس وكتم وكبت لهمومك وآلامك ودموعك... في البيت، وفي الطريق، وفي العمل، وفي كل مكان، وألا تيأس من نفسك ومجتمعك وحكومتك الرشيدة وبرلمانك العتيد، فأنت لست وحدك في هذا، فنحن كلنا، أكثر من مليون مواطن، تعبون ومهمومون ومتضايقون مثلك... وأكثر!

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top