مقالة الامير سلمان... تفتح آفاقاً للحوار
قبل أسابيع كتب الأمير سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، أمير منطقة الرياض، بالمملكة العربية السعودية مقالاً في «الحياة» يحذر فيه من استخدام مصطلح «الوهابية» الذي يراه ملغوماً ولا يخدم هدفها التوحيدي. (الأربعاء 28 أبريل 2010م).
وبدايةً، فإن اهتمام رجل حكم كالأمير سلمان بن عبدالعزيز، سواء اتفقنا أو اختلفنا معه بأمور الثقافة والفكر مسألة تستحق الترحيب، خصوصا إذا جاءت من منطلق النقاش الحر المفتوح الذي يحرص عليه الأمير سلمان، وهو رجل مطلع ومتابع ولا تفوته أي فكرة ذات أهمية، خصوصاً إذا طُرحت بشأن بلده وثقافته وفكره السياسي... إضافةً إلى أنشطة خيرية واجتماعية عديدة.كما أنه، رئيس مجلس أمناء دارة الملك عبدالعزيز التي تمثل أكثر من مركز بحثي وتعنى بوثائق التاريخ السعودي، ولها تواصل مع المراكز الثقافية ومراكز الأبحاث الخليجية كمركز عيسى الثقافي بالبحرين الذي وقّع اتفاقية تعاون مع «الدارة». وقد أشرف الأمير سلمان قبل أيام على ندوة تاريخية علمية بشأن رابع ملوك السعودية الملك خالد بن عبدالعزيز، الذي تحظى ذكراه وذكرى منجزاته بالكثير من التقدير في السعودية وجوارها الخليجي ووطنها العربي.ولا يقتصر لقب الأمير سلمان بن عبدالعزيز على لقبه الرسمي كأمير لمنطقة الرياض بالمملكة العربية السعودية منذ زمنٍ غير قصير. وقد زرته قبل سنوات في مقره بقصر الحكم في الرياض، وشهدت عن كثب اهتمامه ومعالجته لشؤون الناس وحاجاتهم وشكاواهم، فذكرني بما قرأت عن والده الملك المؤسس عبدالعزيز، تمحيصاً وعدلاً، غير أن الذين يعرفونه من شخصيات الثقافة والحوار يطلقون عليه، مجازاً، ألقاباً أخرى عديدة.وآخر لقب أحرزه، كان «أمير الوفاء» بعد الفترة غير القصيرة التي أمضاها- على مسؤولياته الكبيرة في بلد- برفقة أخيه الأكبر، الأمير سلطان بن عبدالعزيز، ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع والطيران، المفتش العام بالمملكة العربية السعودية، خلال رحلته العلاجية بين نيويورك وأغادير في المملكة المغربية والتي تكللت بعودته سالماً معافى إلى بلده ومهامه الكبيرة التي يحرص على القيام بها.وكان الأمير سلمان قبل ذلك يلقب بأمير «الأندلس» لاهتمامه اللافت بإحياء المواضع العربية والإسلامية في ذلك البلد الإسباني الجميل.أما اللقب الذي ننطلق منه إلى محاورته بشأن ما يطرح من آراء، فهو «أمير الصحافة» الذي عرفناه به أيضاً منذ أمد غير قصير، وذلك لمتابعته النقدية لها باسـتمرار، من وجهة نظره.وفيما يتعلق بمقالته في «الحياة» بشأن دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب فإني أستأذن سموه، وأستأذن القراء، في إيراد ما أراه بشأنها، وذلك من ورقتي الفكرية التي طرحتها في ندوة الجنادرية (25) هذا العام، وكانت مشاركة في اللقاء الفكري الرئيس الذي تناول «رؤية الملك عبدالله بن عبدالعزيز للسلام والحوار وقبول الآخر»... هذا مع إضافات توضيحية موجزة يقتضيها سياق هذه المقالة.ومن وجهة تحليلية، فقد رأيت: «أن جانب الحوار وقبول الآخر في رؤية الملك عبدالله بن عبدالعزيز ذو شقين: شق الحوار الذاتي: فيما يتعلق بالأطراف المجتمعية داخل المجتمع العربي الإسلامي القائم على تعددية، إن أفلت زمامها مع ضعضعة الدولة القائمة دخلت في صراع أهلي لا تعرف عواقبه، واتجاهات فكرية متباينة في التراث الإسلامي ذاته- كالتصوف والتشيع والتفلسف- لا يمكن إنكارها ولابد من مقاربتها معرفياً قبل كل شيء».ثم شق الحوار مع الآخر: حوار الحضارات والأديان والتعرف إلى ثقافات العالم، ولن ننجح في هذا الحوار إذا لم ننجح في إدارة الحوار الذاتي فيما بيننا.ولابد لنا هنا أن نتوقف لدى تيار الفكر الديني المتمثل في حركة التوحيد السعودية فهو التيار الفكري الديني الأبرز الذي رافق نشأة المملكة العربية السعودية. لقد اختلط الحابل بالنابل في تبيان حقيقة هذه الحركة الموحدة حيث رميت بمختلف التهم غير الموضوعية.وبدايةً، فإن فكر التوحيد، والتحرر من الخرافات والبدع وتقديس غير الله، والتمسك بأوامره ونواهيه، فكر يمكن أن تلتقي حوله مختلف الاتجاهات الاجتهادية الإسلامية، بل الاتجاهات الروحية والإنسانية المختلفة شريطة أن نعترف لهذه الاتجاهات الأخرى بحقها في الاجتهاد والوجود وإبداء المعارضة السلمية كذلك بما يحررنا من التعصب والتشدد والعنف الذي لا يلجأ إليه غير ضعاف النفوس وضعاف العقيدة.ثانياً: ينبغي، قبل الحكم على حركة التوحيد، رؤية دورها التاريخي الحقيقي، فقد ظهرت في الجزيرة العربية في ظروف تستوجب ما ذهبت فكرياً إليه، ونجحت في مواجهة ومعالجة تلك الظروف، فأنقذت الإسلام أولاً مما ألم به ورسّخت النهج السلفي الذي قامت عليه الدولة العربية السعودية دون حزبية أو إيديولوجية والتي كانت المرحلة التاريخية تستوجبها لإعادة وتيرة الحياة وأمنها واستقرارها إلى جزيرة العرب وأهلها بعد أن كانت، كما أبان الباحثون، تشهد حرب الكل ضد الكل، ولكن الظروف القائمة تغيرت، وتغير معها فكر العالم، وكما استوعبت تلك الدعوة ظروفها التاريخية الأولى، فإنها مطالبة اليوم باستيعاب المستجدات وأخذها في الاعتبار.ثالثاً: إني لا أرى ضيراً، ولا مبرراً للحساسية في تسمية تلك الدعوة باسم داعيتها الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله- أي بالدعوة «الوهابية»- فقد كان المصطلح الإسلامي طوال التاريخ مرناً وأطلق الباحثون كما أبان الأستاذ خليل عبدالله الخليل في رده على الدكتورة بصيرة الداود- مصطلح «الرسالة المحمدية» على رسالة السماء التي جاء بها النبي الكريم من لدن ربه، كما أن المذاهب الإسلامية المختلفة من مالكية وجعفرية وحنفية وشافعية وحنبلية وزيدية وإباضية قد سميت بأسماء أصحابها ودعاتها، وكمؤرخ للفكر، أجد أن الأهم «مضمون» الاتجاه لا اسمه. وصحيح أن حركة التوحيد ليست مذهباً، وأنها جاءت انبثاقاً من مذهب الإمام أحمد بن حنبل، رضي الله عنه، وهذا أدعى إلى أن تتسمى باسم صاحبها وداعيتها ولا ضير إطلاقاً في ذلك. وإذا كان ثمة اسم مماثل آخر قد أُقحم في منطقة من مناطق العالم الإسلامي، فإن هذه مسألة تاريخية تستدعي التوقف لكنها لا تستدعي إلغاء الاسم الأصلي.وبأمانة فإنني لا أرى من الحكمة، فرض فكر التحديث على هذه الدعوة والمهم إقناعها بتطوير نفسها من الداخل، وفي الإسلام وفكره من إمكانات التجديد والتطوير الشيء الكثير.«والقرآن حمّال معان» وباختصار، فإن البيئة العالمية المستجدة التي نواجهها اليوم في عصر الإنترنت والفضائيات، ليست هي البيئة القديمة القائمة على الانعزالية الصحراوية، والخوف من الآخر... فهل نملك اليوم قطع إمداداتنا البحرية، بل الجوية، الحاملة إلينا رياح الدنيا؟ويحدثنا التاريخ أن الملك المؤسس عبدالعزيز عندما أقام دولته، رأى أنه من الضروري تزويدها بوسائل الاتصال الحديثة، كما يؤرخ أحمد أمين في كتابه زعماء الإصلاح في العصر الحديث والذي نقل عنه المرحوم الشيخ عبدالعزيز بن عبدالمحسن التويجري في كتابه التاريخي التوثيقي (لسراة الليل هتف الصباح)، ص 58–61، بيروت 1997.يقول أحمد أمين «الذي وصفه التويجري بأنه رجل مسلم سليم العقيدة»، ونحن ننقل عن التويجري نقلاً عن أحمد أمين: «والوهابيون لم يعبؤوا إلا بإزالة البدع والرجوع بالدين إلى أصله... اهتموا بالناحية الدينية، وتقوية العقيدة، وبالناحية الخلقية كما صورها الدين، ولذلك حيث سادوا قلّت السرقة... وأُمّن الطريق... ولكنهم لم يمسوا الحياة العقلية، ولم يعملوا على ترقيتها، إلا في دائرة التعليم الديني، ولم ينظروا إلى مشاكل المدنية الحاضرة ومطالبها... (لكن الحكومة السعودية) بدأت تنشر التعليم المدني بجانب التعليم الديني وتنظم الإدارة الحكومية على شيء من النمط الحديث، وتسمح للسيارات والطيارات واللاسلكي بدخول البلاد... وما أشقه عملاً: التوفيق بين علماء نجد ومقتضيات الزمن، وبين «طبائع البادية ومطالب الحضارة»- التويجري، مصدر سابق، ص 60–61.هكذا فإن مقالة الأمير سلمان بن عبدالعزيز عن «الوهابية» ينبغي ألا تكون نهاية المطاف في الحوار الفكري بشأنها، بل بداية هذا الحوار الذي نحتاجه، وتحتاجه «الوهابية» على وجه الخصوص.* مفكر من البحرين