استطاع من قرأ مقالي السابق أن يدرك أنه كان قد كُتِب قبل خروج الأخ خالد الفضالة من السجن، والحقيقة أني قد سعيت لإيقاف نشره لتعديله وما يتناسب مع المستجدات، ولكنه كان قد وصل إلى مرحلة متقدمة من النشر... على كل، ما كنت سأغيره هو أن أهنئ الأخ خالد الفضالة وأسرته الكريمة ومحبيه، على خروجه من الحبس، وأن أشكر القضاء على حكمه بالاكتفاء بالفترة التي أمضاها خالد الفضالة في الحبس كعقوبة، وإخلاء سبيله، ففي هذا الحكم حكمة بالغة واضحة، لي على الأقل، حيث كبح جماح بلبلة مجتمعية كانت تدار وتطبخ بلا معنى ودون وعي، وأوصل الرسالة المرادة بأن ما قام به الفضالة كان خطأ استحق العقوبة المقررة، بغض النظر عن المدة، وطوى الصفحة على ذلك.

Ad

لهذه التجربة التي مر بها الفضالة من بدايتها حتى النهاية، على مرارتها له شخصيا ولأسرته وللمقربين منه بطبيعة الحال، وثقلها على نفس المجتمع الكويتي الذي صار يشهد أخيرا اضطرابات غريبة على ما ألفه، ومنها هذه الحادثة، فوائد كثيرة في تصوري.

من أكبر هذه الفوائد أن القضاء قد أثبت مجددا أنه صرح مستقل لا يتأثر بلاعبي السياسة، من أي طرف كانوا، ولا براقصي الإعلام على أي خشبة كانوا يرقصون، أو مع أي فريق كانوا، وأنه ليس أداة بيد أحد يوجهها، مهما حاول البعض أخيرا وللأسف، بقصد أو دون قصد، أن يثير الغبار أمام بهاء هذه الصورة.

هذا الحكم، بإخلاء سبيل الفضالة والاكتفاء بما قضاه من أيام حبس كعقوبة، وهو الذي تزامن مع براءة الكاتب محمد عبدالقادر الجاسم من قضية مرفوعة من رئيس الوزراء أيضا، هو دليل واضح على استقلالية ونزاهة وحكمة القضاء، وكفى به دليلا.

الفائدة الكبيرة الأخرى، هي أن الجميع صاروا يدركون اليوم، أن المعارضة، وهي تقوم برفع سقف المواجهة مع الحكومة، وهذا حق أصيل ولا شك في ظل ما نراه من تدهور وضعف سياسي وإداري، طالما قد خرجت عن المسار السليم في التعبير عن رأيها، فإن الحكومة لن تتردد في المقابل برفع سقف التصدي ولا شك، وستستخدم كل الأدوات المتاحة في الرد على ما تراه من تجاوزات وإساءة لكيانها أو شخوصها.

لذلك، فعلى من يسلك المسالك الخارجة على المقبول قانونا، ولن أقول عرفا فهذا قد تلاشى منذ زمن وللأسف، أن يتقبل ومنذ البدء أن رد السلطة سيكون قاسيا ومتوافقا مع تطرف ما يقوم به. وسأؤكد هنا أن ليس في هذا الكلام، لا من قريب ولا من بعيد، أي قبول علني أو ضمني، لأي تعسف قد يبدر من السلطة أو خروج لها عن أدوات الدستور والقانون، فحينها ستخسر كل تعاطف معها، بل يجب أن يقف الجميع في وجهها.

للحكومة، وأفرادها، ابتداء من رئيسها، مرورا بكل الوزراء وكبار المسؤولين فيها، الكثير من المواطن المعتلة والمختلة التي تستحق النقد، بل النقد القاسي، وصولا إلى المحاسبة البرلمانية والشعبية العسيرة، ولكن مع مؤازرتنا لهذا ودعمنا له، يجب ألا تغيب عن أذهاننا أبدا حقيقة أن هناك فرقا كبيرا ما بين النقد، مهما بلغت قسوته وسخونته، والإساءة والبذاءة والتجاوز، وأعتقد أن هذه أيضا فائدة كبيرة تجلت لنا من هذه الحكاية.

آمل أن يكون الجميع قد خرجوا من هذه الحادثة، وبالأخص الأخ خالد الفضالة، بإدراك لهذه الدروس العميقة التي نتجت عنها. وأدام الله الأمن والأمان في بلادنا.

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة