الرواية كغيرها من الأجناس الأدبية الأخرى تعتمد على اللغة كمادة أساسية للسرد أو الحكي. واللغة تتفوق على الفكرة أو الحكاية التي تريد الرواية طرحها. وأحيانا نجد صعوبة في لغة كاتب ما واستمرارنا في قراءة عمله يكون على حساب المتعة التي تصاحب غالبا القراءة الابداعية. الذين يقرأون أعمالا في لغة ثانية غير لغتهم الأم يشعرون بموانع الامتاع هذه، والتي تظل مصاحبة لقراءاتهم الأدبية حتى يتمكنوا من اللغة ويجيدوها كالناطقين بها. وإذا كانت الدراسة النقدية تحتمل التوقف والبحث عن معاني الكلمات الغامضة فإن الرواية يقتلها هذا الغموض ويخرجها من بهاء الامتاع إلى عناء البحث النقدي.

Ad

إذا كانت هذه حال القارئ لعمل أدبي مكتوب بلغة غير لغته الأم وهي حال يبررها اختلاف اللغة وبواطن معانيها التي يجيدها أهلها أكثر مما يجيدها الوافد الجديد اليها، فكيف يكون الحال وأنت تقرأ رواية عربية وتقف عاجزا عن فهم وادراك الكثير من الكلمات والتعابير التي يستقيها الكاتب من العامية ومن الدارجة المحكية والتي تختلف في محيط البلد الواحد اضافة الى الأقطار العربية المختلفة.

قبل كل شيء أنا مع تجديد اللغة وتطويرها والاتفاق على ادخال الكلمات التي تستجد يوميا أو سنويا إليها. والعربية لغة تستطيع أن تحتوي هذا التجديد بكل سهولة، حتى وإن عمدت الى مصدر الكلمة الأول.

وأن يتم هذا الأمر بعقلانية وليس على طريقة "شاطر ومشطور وبينهما كامخ" كان يمكن أن يقولوا شطيرة وينتهي الجدل. أقول هذا لكي لا يكون البديل عن الرواية العربية رواية مصرية ولبنانية وسورية وعراقية ومغاربية وخليجية وننتهي الى لغات روائية لا يفهم أي منا الآخر من خلالها. وأقول ذلك حرصا على القارئ العربي الذي سيجد نفسه أمام لغة محكية ضيقة الأفق تهتم به فقط، ولغات أخرى في حاجة الى ترجمة ليفك شفراتها.

ولو كان الأمر مقتصرا على روايات باهتة ولا تحتوي ثراء فنيا وابداعيا لما اهتممت بالأمر، ولكن الروايات التي أقصدها تشكل علامات فارقة في الأدب الروائي العربي وأضع ألف خط أحمر تحت كلمة عربي. رواية رائعة كرواية مكاوي سعيد "تغريدة البجعة" تصدمك دون مناسبة بلغة مخترقة لجماليات السرد التي سارت عليه منذ بداياتها في جملة كهذه "وانهمكت في طلاء أفاريز لوحات عصام بالجملكة واصلاح الرفوف وترتيب الاسكتشات وكنس الأرضية حتى انهكت تماما..." والحقيقة أنا القارئ غير المصري الذي انهكت في البحث عن معنى "الجملكة" وأنا على يقين أن مجاميع كبيرة من مصر لا تعرفها. وفي موضع آخر يقول "مضت تتحسس باب الخيمة المزدوج والذي يفتح من الداخل والخارج، وضعت يدي على الياي من الداخل لأمنعها من تحريكه". ولو أني قرأت هذه الرواية لروائي من الكويت لفهمت "الياي من الداخل" هو القادم من الداخل، أما وكاتبها من مصر فلا أعرف ما هو الياي. الأمثلة كثيرة ولا مجال لسردها جميعا.

رغم ذلك سأفترض حسن النية، وأقول إن الروائي يبحث في بث روح جديدة للغة وإخراجها من تقوقعها وانطوائها على ذاتها ولن أدعي بأن الكاتب مهتم "بمصرنة " السرد. يبقى السؤال لماذا أطلق على الهاتف النقال مثلا اسم المحمول، ولم يطلق على الشات دردشة؟ هل هو على ثقة بأن قارئ الرواية في أي قطر من العالم العربي سيفهم كلمات "كالجملكة والياي وتصاعد الدخان من الكنكة فوق السبرتاية".

وأذكر القارئ بأنني هنا لا أتناول الحوار العامي بين الشخصيات بل أتناول السرد الروائي.

 أعتقد أن الموضوع في حاجة الى وقفة ومحاولة فهم لما يحدث.