من غير الواضح حتى الآن الاستراتيجية التي ستبني عليها الحكومة سياسة التخصيص أو "الخصخصة" لأن تحديد الشكل أو الأشكال التي تتخذها عملية الخصخصة سيتوقف على استراتيجية التخصيص التي من المفترض أن تحكمها اعتبارات كثيرة اقتصادية واجتماعية وسياسية؛ بمعنى آخر لماذا نحتاج إلى الخصخصة؟ أو ما أهدافها؟ وكيف تتحقق؟ هل الهدف، مثلاً، هو توسيع دور القطاع الخاص؟

Ad

وإذا كان الجواب بالإيجاب، فهل المقصود هو نقل الملكية؟ وما النسبة؟ وكيف يمكن تقييمها؟ ومَن سيقوم بذلك؟ وهل يعتبر نقل الملكية بحد ذاته استثماراً محلياً مع أنه لا يضيف جديداً للأصول الإنتاجية؟ ثم هل القطاع الخاص في وضعه الحالي قادر على ذلك بمفرده من دون الاعتماد على الدعم الحكومي غير المحدود؟ أم أن القطاع الخاص سيعتمد على دعوة شريك أجنبي؟

ثم كيف ستتم معالجة موضوع العمالة الوطنية العاملة حالياً في المؤسسات العامة التي ستخصص، ناهيك عن مدى استعداد القطاع الخاص لتوفير ما يزيد على خمسة آلاف فرصة وظيفية جديدة للمواطنين سنوياً وتدريبها وتطوير قدراتها؟ وهل نقل الملكية، كلياً أو جزئياً، هو الشكل المناسب لتوسيع دور القطاع الخاص؟ ألا يمكن تحقيق ذلك، إذا كان هنالك حاجة فعلية، من خلال "خصخصة الإدارة" أو "نظام التأجير" أو القطاع المشترك؟

أم أننا نحتاج إلى الخصخصة لرفع كفاءة الأداء وخلق بيئة تنافسية وتحسين جودة السلع والخدمات، وفي هذه الحالة هل حجم السوق يسمح بوجود بيئة تنافسية حقيقية؟ وهل هنالك تشريعات وقوانين كافية لمنع عمليات الاحتكار والوكالات الحصرية والتلاعب بالأسعار وتقديم خدمات رديئة؟ ومرة أخرى، هل تحقق عملية نقل الملكية ذلك؟ ألا تكفي الأشكال الأخرى للخصخصة لتحقيق هذا الهدف؟ أليس أمامنا تجربة محطات التزود بالوقود التي لم تطور من الخدمات المقدمة، بل استغنت عن العمالة الوطنية لمصلحة عمالة هامشية أجورها متدنية تكلف الدولة الكثير نظير استخدامها للخدمات العامة؟!

ثم هل لدى الحكومة قدرة إدارية وتنظيمية لمراقبة أداء القطاع الخاص أثناء إدارته للمشروعات العامة تضمن تحقيق التنافس والتحسين المستمر لجودة السلع والخدمات المقدمة وعدم التلاعب في الأسعار على حساب الجودة؟ وهل سيستطيع القطاع الخاص الاستمرار في تقديم خدمات مميزة في حالة توقف الدعم الحكومي الكبير؟ أم أن الهدف من التخصيص "الخصخصة" هو توسيع قاعدة الملكية بحيث يستطيع عامة الناس المساهمة في ملكية المنشأة أو الشركة الجديدة، لكن ألا تلاحظون أنه حتى هذه القضية تحتاج إلى مراقبة دقيقة من قبل مؤسسات حكومية فاعلة، وإلى تشريعات جديدة أيضا تمنع ما حصل من تلاعب وفساد في حالات سابقة مشابهة؟

ومن دون أدنى شك، فإن الأسئلة ستزداد وتصبح أكثر تعقيداً إذا كان هناك أهداف أخرى أو في حالة تشابك أهداف الخصخصة... وهي أسئلة مهمة لابد من الإجابة عنها قبل إقرار قانون الخصخصة من قبل مجلس الأمة الذي يتعين على أعضائه عدم الاندفاع وراء بعض "المتحمسين" الذين لا يرون الخصخصة إلا من خلال النقل الكامل للملكية! مع أن تجارب دول كثيرة سبقتنا قد أثبتت أن نقل ملكية المشروعات العامة بالكامل للقطاع الخاص لاسيما في القطاعات الحيوية المهمة قد خلق مشاكل اجتماعية واقتصادية وسياسية كثيرة، منها ارتفاع معدلات البطالة وانتشار الجريمة وزيادة  الفوارق الطبقية.