لمواجهة ضغط العالم عليهم لحملهم على الانصياع والإذعان لإرادة السلام فإن الإسرائيليين لا يحتاجون إلاَّ أن يواجهوا هذا العالم المُصِّر على إنجاز حل الدولتين وإنهاء مأزق الشرق الأوسط خلال فترة قريبة بصورٍ من المذبحة التي ارتكبتها حركة «حماس» بدم بارد في غزة، وبصور من هذه البشاعات التي تُرتَكب في العراق، وبمشاهد من حرب الإخوة في اليمن وفي الصومال وفي السودان، وبقصاصات من الصحف اللبنانية التي تلاحق يومياً الهجمات الإعلامية المتبادلة بين مَن يُسمَّون معارضة ومن يسمون موالاة.
كيف سيتصرف المسؤولون العرب الذين سيحضرون الجمعية العمومية للأمم المتحدة التي ستنعقد في سبتمبر المقبل، والتي من المتوقع أن يكشف الرئيس الأميركي باراك أوباما أمامها مبادرته المنتظرة لإنهاء النـزاع في الشرق الأوسط وحل القضية الفلسطينية، إذا وقف مَن سيحضر من المسؤولين الإسرائيليين هذا الاجتماع رافعاً بيده صوراً من المذبحة الأخيرة التي ارتكبتها «حماس» في غزة، وصوراً لهذه البشاعات المتلاحقة في العراق، وللحرب بين الحوثيين ودولتهم في اليمن، وللاقتتال في الصومال الذي لا مثيل له قذارة ودموية..؟! بِمَ سيرد العرب إذا وقف المندوب الإسرائيلي، إنْ في الجمعية العمومية وإن في أي محفل دولي، وخاطب الحضور، وهو يلوّح بصور كل هذه المخازي، قائلاً: «هل تريدون منَّا أن نسلِّم رقابنا لهؤلاء الذين يذبح بعضهم بعضاً بكل هذا العنف وبكل هذه الدموية..؟!». إنه من غير الممكن تبرير هذا الذي يجري في العراق، والذي جرى ويجري في غزة، والذي يجري في الصومال، والذي يجري في السودان، والذي يجري في لبنان، ثم حكاية أن «الصهيونية العالمية» هي التي تقف وراء كل هذا وأنها هي التي تفتعل كل هذه المذابح وبكل هذه البشاعة والدموية لم تعد تنطلي على أحد، ولم يعد يصدقها حتى العرب أنفسهم، فالحقيقة التي لا يمكن إنكارها هي أن المشكلة تكمن فينا، وهي أننا لم نرتقِ بعد إلى مستوى الشعوب التي تخطت هذا الواقع المزري وتجاوزته منذ عقود طويلة. قبل أن يحدث في لبنان ما حدث في منتصف سبعينيات القرن الماضي، والذي بقي يتجدد وإنْ بأشكال مختلفة، كان العرب يقدمون هذا البلد كمثال لما يمكن أن تكون عليه العلاقات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لكن بعد كل هذه الحروب والمذابح الطائفيةِ الطابع فإن الحالة اللبنانية أصبحت حجة لغلاة التطرف الإسرائيلي ليقولوا للعالم كيف تريدوننا أن نتجاور ونتعايش مع الشعب الفلسطيني بسلام، بينما اللبنانيون غير قادرين أن يتفاهموا حتى على تشكيل حكومة تتمثل فيها كل هذه اللوحة الفسيفسائية المذهبية..؟! الشاعر يقول: «نعيب زماننا والعيب فينا» وحقيقةً علينا ألا نستغرب أن يصل اليأس والإحباط بالرئيس الأميركي باراك أوباما ذات يومٍ إلى حدِّ أن يرمي بأوراقه ومشاريعه ومبادراته في وجوهنا وأن يقول لنا: «اذهبوا إلى الجحيم»... إن الآية الكريمة تقول: «إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ» والواضح في ضوء هذا الذي يجري كله أن نهوض هذه الأمة من كبوتها لايزال أملاً بعيداً، ولايزال أمنية صعبة التحقيق، فنحن - كما يبدو - مُصرُّون على ألا أن نغير ما في نفوسنا المريضة. كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء
مقالات
نعيب زماننا!!
23-08-2009