كل من أصادفه هذه الأيام يشعر بالإحباط من شكل المستقبل المنظور، ولا ألوم أحداً، لأنه لا يبدو بالفعل على الإطلاق أن الأمور تسير إلى انفراج، والمؤلم حقاً أنه ليس هناك أحد يمتلك طرف إجابة عن بداية الحل بمن فيهم من يُفترض أن يكون عندهم تصور ولو مبدئي عن ذلك، سواء من الرموز أو المثقفين أو من القريبين من دائرة القرار، ناهيك عن النواب أجمع وبلا استثناء، وفي المقابل فالكل مستفز، ويعبر عن ذلك بتوجيه أصابع الاتهام للآخرين وتحميلهم المسؤولية عما يجري ويحدث، وتجريحهم بالقول على سبيل معاقبتهم. الكل يشارك في هذا، فتجده عند النواب والكتّاب والمعلقين وما يكتبونه في المواقع الإلكترونية، بل عند عموم الناس أيضاً، وهو أمر مفهوم ولا شك، فالناس عندما تصاب بهذه الحالة من «التوهان» وانعدام الأمان وعدم القدرة على الفهم والحكم، قد تنزع إلى مداراة ضعفها وعجزها بالتكشير عن أنيابها ومخالبها. من حق النواب، بلا شك، أن يقدموا استجواباتهم لمن يريدون من الوزراء، ومن حق فيصل المسلم دستورياً أن يستجوب رئيس الوزراء على خلفية ذلك الشيك الذي قال إنه ذهب إلى أحد النواب السابقين، ولا أحد يملك أن ينازعه حقه، ولكن السؤال المنطقي الذي يجب أن يفرض نفسه هنا هو: ماذا كان؟ وماذا بعد؟!

Ad

المسلم، وكما تابعنا، لم يوجه اتهاماً صريحاً لرئيس الحكومة برشوة ذلك النائب السابق، وهو لا يملك أن يفعلها لعدم امتلاكه الدليل الملموس على ذلك، ولو كان فعل لزج بنفسه في فخ قانوني قد يكلفه الكثير، وجل الأمر أنه أثار القضية تاركاً الجمهور المتعطش والمستفز أصلاً من ناحية الحكومة لأسباب كثيرة ليس هذا مجال طرحها، ليصدر الحكم بنفسه، ويضع بعدها، أي الجمهور، كل النواب الآخرين على المحك، فإما مع المسلم وإما ضده، وبالطبع ما كان أمام أحد إلا الوقوف في صف المسلم، ولو من وراء قلبه، فلا أحد يرغب في أن يقال عنه إنه من جماعة الحكومة، خصوصاً في هذه الفترة التي قد تكون على أعتاب انتخابات جديدة، وكل نائب ومرشح وراغب بالظهور بحاجة إلى أن يلمِّع نفسه.

الغريب أن هذا الاندفاع المحموم يحصل اليوم وكأن الجميع كانوا في جهل من أن السلطة التنفيذية والنظام، وحتى من قبل تولي الشيخ ناصر لرئاسة الوزراء، مارسا استمالة وتحييداً، ولن أقول شراء للنواب بشتى الوسائل والطرق، وأن على رأس هذه الطرق وبشكل معروف بل مألوف ومقبول، فتح بابي الخدمات والابتعاث للعلاج في الخارج على مصراعيهما لكثير من النواب الذين لم يكونوا ليشموا الهواء تحت قبة «عبدالله السالم» أصلاً لولا إرادة ناخبيهم بأن يلعبوا هذا الدور المائل العاري، أي أن الناخبين أنفسهم، وبعبارة أخرى، هم من أرادوا هؤلاء النواب قبل الحكومة.

لكن الأكثر سخرية أن من هؤلاء النواب الذين تمت «استمالتهم» وتحييدهم على مدى سنين، وأيضا لن أقول شراءهم حفاظاً على مشاعرهم ومشاعر عشاقهم من الناخبين، مَن يحاول اليوم العودة للعب دور بطولي في صف المعارضة، بعدما صار هذا الصف مستباحاً ومفتوحاً لكل من هبّ ودبّ، لا لشيء إنما لأن الحكومة ضعفت وهزلت حتى سامها المفلس!

الحل لن يحصل في قناعتي إلا بقرارات ثقيلة تأتي من قمة الهرم تتسق وحساسية هذه المرحلة بتعقيداتها، لأن التعويل على «حكمة» اللاعبين على خشبة المسرح السياسي ورجاحة عقولهم ما عاد يجدي نفعاً، وقد أثبت فشله مرة بعد مرة بعد مرة، حتى صار من اللازم اليوم قبل الغد، بل الآن في التو واللحظة، اتخاذ قرارات راديكالية تشمل الشروع في تغيير وإصلاح الأساسات التي تقوم عليها الممارسة السياسية بأسرها، شاملاً ذلك طريقة وآليات الانتخاب، وآليات العمل البرلماني، وأسلوب تشكيل الحكومة واختيار أعضائها، وكذلك استعادة هيبة دولة القانون من خلال الفرض الصارم الحاد للقوانين على الجميع دون استثناء، وفي مقدمتهم «الكبار»، والتصدي للفساد والتسيب والترهل في مؤسسات الدولة المختلفة، بالإضافة طبعاً إلى المواجهة الحقيقية وبحزم لكل ما من شأنه أن يهدد الوحدة الوطنية ويذكي الطائفية والفئوية بأشكالها فنحن والله في أزمة كبرى.

أقولها وأنا مدرك تماما أن هذا الحل ليس بسهل، وأن طريقه طويل، وأن ليس في الأمر عصا سحرية تغير شكل الواقع خلال أسابيع أو أشهر، إنما هو مخاض عسير قد يستغرق سنوات لابد أن نمر به جميعاً ونتحمل آلامه للخروج من هذا النفق المظلم، وأما ما سوى ذلك فهو اجترار لنفس الممارسات وتكرار لنفس السيناريو الممل الثقيل الذي سينتهي دوماً إلى نفس النتائج والمحطات، وحينها سيكون القادم أسوأ وقد تغرق السفينة بمن فيها، ولا حول ولا قوة إلا بالله.