بالفم المليان... لا لإنقاذ الشركتين
بالرغم من أن قانون الاستقرار الاقتصادي- الذي أقرته الحكومة بمرسوم ضرورة- يحدد الكيفية التي تطلب الشركات المحلية المساعدة من خلالها لتجاوز الأزمة المالية العالمية، فإن الحكومة مازالت غامضة في جديتها بتطبيق هذا القانون. فقبل مدة تحدثت أنباء عن دراسة الهيئة العامة للاستثمار المشاركة بصناديق تجمع أصول بعض الشركات، وبعدها نشر نفي لوزير المالية لذلك الخبر ثم خرج الوزير نفسه لينفي النفي، و هو ما يؤكد صحة الخبر الأساسي. وقبل عدة أيام تجددت الأنباء عن مشاركة الهيئة في صندوق يضم الأصول المسمومة لإحدى الشركات المتعثرة، وهو الأمر الذي نفته الهيئة لكنها قالت إنها تدرس عدة عروض من بعض الشركات للمشاركة في مثل هذه الصناديق. ومع أن نفي الهيئة أثلج الصدر من جهة عدم مشاركتها حتى الآن بهكذا صناديق، إلا أن قولها بأنها تدرس مثل هذه العروض هو بحد ذاته يثير علامة استفهام.
فقانون الاستقرار الاقتصادي حسم وسيلة مساعدة شركات الاستثمار، ولذلك فإن طلب بعض الشركات مشاركة الهيئة في صناديق تضم أصول هذه الشركات سواء المسمومة أو غيرها من أجل تسديد ديونها القصيرة الأجل أو الأخرى هو التفاف واضح على قانون الاستقرار، ومن ثم يجب رفض هذه الطلبات فورا، ومن دون دراسة حتى لو كان العائد الذي تقدمه هذه الشركات للهيئة متناسبا مع حجم المخاطرة الناتجة عن المشاركة بهكذا صناديق. فقانون الاستقرار حدد شروطا لضمان البنك المركزي للشركات، ومن أهمها أن تكون هذه الشركات مليئة ولها أصول جيدة وعوائد تشغيلية يمكن الاعتماد عليها، ولذلك فإن طلب بعض الشركات من الهيئة المشاركة في بعض صناديقها يعني أن هذه الشركات لا تنطبق عليها شروط قانون الاستقرار الاقتصادي حتى تنظوي تحت مظلته، وإذا كان البنك المركزي لا يقبل أن يضمن مثل هذه الشركات، فمن الأولى أيضا ألا تقبل الهيئة العامة للاستثمار المشاركة بإنقاذها لأنهما (البنك والهيئة) مسؤولان عن حماية المال العام بنفس الدرجة.إن الأزمة المالية العالمية، ورغم قسوتها على الجميع، تمثل فرصة ثمينة لمكافأة المجدين والأمناء ومعاقبة المتلاعبين وعديمي الكفاءة والمغامرين، ولعل أغلبية شركات الاستثمار تنطبق عليها الحالة الثانية، خصوصا الشركتين المعروفتين اللتين عربدتا بأموال مساهميهما، وشربتا من كأس الديون قصيرة الأجل حتى الثمالة، ولم يكن لديهما عمل سوى مص السيولة من السوق بتفريخ الشركات. ولعل عدم رغبة أغلبية هذه الشركات بالانضواء تحت مظلة قانون الاستقرار لا يرجع فقط إلى استحالة مطابقتها للشروط، بل يرجع أيضا إلى عدم رغبتها في فتح سجلاتها وعملياتها أمام البنك المركزي الذي له الحق- حسب قانون الاستقرار- في التدخل بإدارة الشركة وتحديد المكافآت وغيرها من الأمور، ولذلك فإن تفكير الهيئة بالمشاركة ببعض الصناديق التي تحوي أصول بعض الشركات هو خطوة في الاتجاه الخطأ، ويعد مكافأة لكل المغامرين وعديمي الكفاءة. قد يقول قائل إن أميركا ساعدت كثيرا من البنوك والشركات المغامرة وعديمة الكفاءة مثل شركات السيارات، لكن وضع أميركا مختلف تماما لأن الشركات الكبرى تحدد مصير وظائف عشرات الآلاف من الأميركيين، أما في وضعنا فأغلبية الشركات لا تقدم أي قيمة مضافة للاقتصاد المحلي لأنها في أغلب الأحيان مرتبطة بمضاربات السوق والتفريخ العديم الجدوى، ولا توظف سوى كم قليل من الكويتيين، وكثير منهم من أبناء ومعارف كبار الملاك. إذن فلندع تلك البجعات السوداء تموت (كما يقول الاقتصادي العالمي نسيم طالب) بدلا من محاولة إنقاذها من دون فائدة أو جدوى، ومع أن إفلاس هذه الشركات سيتضرر كثير من المساهمين المحدودي الدخل، فإن ذلك قد يفتح بابا لهم لرفع قضايا ضد مسؤولي تلك الشركات حتى يعيدوا جزءا كبيرا من الثروات التي كونوها خلال السنوات السابقة عبر المكافآت الخيالية نتيجة لتفريخ الشركات ورميها في السوق. كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء