بعد مقالي الأخير، وحزمة التصريحات التي انطلقت من وزارتي الصحة والتربية بشكل دفاعي مستميت، عقدت العزم على ترك الموضوع الذي اتخذ منحى النطاح السياسي، وهو ما كنت أرفضه منذ البداية، لكن اتصالا جاءني من أستاذ وزميل أديب أكن له كل التقدير، وأعتذر عن ذكر اسمه لعلمي أنه من بقايا الصادقين الذين لايزالون يعملون بصمت، والذي حثني على معاودة الكتابة إبراء للذمة من موقعي ككاتب ومن باب المسؤولية التخصصية بحكم كوني طبيباً لما عدت للموضوع.

Ad

أولاً، أستغرب أن يُظن أن اختلافي مع أسلوب وزارتي الصحة والتربية في إدارتهما للأزمة، يعني بالضرورة استهدافاً شخصياً لأحد، ويزيد استغرابي حين أجد في المقابل أن ردود مسؤولي الوزارتين تجاه الاختلاف معهم انطلقت من روح المواجهة والتحدي!

يا سادتي، إن الاختلاف الموضوعي مسوغ ومسموح به، كما أن القلق الزائد والتخوف من قبل الناس في مثل هذه الأزمات، يجب أن يكون مفهوماً ومقبولاً لدى المسؤولين كافة، وأن يتم التعامل معه برحابة صدر.

ثانياً، إن الدعوة التي أطلقتها، ولقيت صدى واسعاً عند الناس القلقين على صحة أبنائهم، لتأجيل الدراسة لأسابيع قليلة، ليست دعوة للانفلات ولا محاولة للتأجيج، بقدر ما هي، في قناعتي، خطوة مهمة من خطوات إدارة هذه الأزمة، يتم خلالها: (1) انتظام الهيئات التدريسية والإدارية في المدارس لفترة كافية وتدريبهم جيداً على التعامل مع الأزمة؛ (2) مرور فترة مقنعة نتجاوز فيها مرحلة عودة الوافدين العاملين في وزارة التربية واحتمالات نقلهم للعدوى من بلدانهم وظهور أعراضها؛ (3) التأكد من توافر عمال النظافة بعدد كاف في كل المدارس ونحن من يعلم أنها لم تكن كافية في يوم من الأيام وأن أكثر المعلمين هم من يقومون بتنظيف مدارسهم في بداية العام الدراسي بالاستعانة بخدم منازلهم؛ (4) التأكد من صلاحية دورات المياه في المدارس ونظافتها ونحن من يعلم أنها طالما عانت تردياً في خدماتها وتدنياً في نظافتها؛ (5) التأكد من توفير مصادر مياه الشرب النظيفة في المدارس ونحن من يعلم أن وضعها طوال الفترة الماضية رديء جداً؛ (6) توفير الخدمات الطبية المبدئية في المدارس كلها وتفعيلها حقاً، فأنا ممن لا يرون الحاجة إلى عيادات كاملة كما هو التوجه المعلن من قبل الوزارتين؛ (7) قيام فريق، بل فرق، مشتركة من المسؤولين والنواب والإعلاميين بزيارات اطلاعية للمدارس بعد ذلك بشكل حقيقي محايد وغير مصطنع كعادتنا، لتنتقل بعد ذلك رسائل الطمأنة إلى الجمهور والناس.

ثالثاً، إن التصريح الذي أطلقته وكيلة وزارة التربية الأستاذة تماضر السديراوي بأنها أمرت بتطبيق لائحة الغياب على المتغيبين بلا عذر، بل استحداث لوائح جديدة متشددة حيال هذا الأمر يجعل الإنسان يقف مبهوتاً!

سيدتي الفاضلة، أصلحك الله، إن مثل هذه الأزمات لا يتعامل معها بأسلوب الفرمانات العسكرية، التي اعتادته وزارتك مع موظفيها ومعلميها وطلبتها، بل يجب أن يكون بالحكمة والاستيعاب الذي يراعي أن الناس تعاني القلق والتوتر، وأنه قلق حقيقي وتوتر له واقعه الذي يبرره، فيحتاج ممن هم في موقع المسؤولية، كسيادتك، النظرة البعيدة الرشيدة، لا التحفز للمناطحة والصدام.

سيدتي الفاضلة، أنت تعلمين أن الغياب سيقع، ولطالما وقع ووقع، وأن الحصول على الأعذار الطبية في بلدنا أسهل من سلق البيض، فلماذا هذه النبرة المتشنجة والنظرة المحرقة؟! سيدتي الفاضلة، أفترض أنك تدركين أنكم جميعاً في خدمة الطالب الذي هو أساس أمركم كله، لا العكس، وأن قلق أولياء الأمور على صحة أبنائهم يجب أن يكون محل تقدير منكم، لا التعنيف والتهديد، لذا سنثق بتغليبكم الحكمة سيدتي!

رابعاً، من المهم أن يتم توضيح أن تصريحات ممثلي منظمة الصحة العالمية بعدم الحاجة إلى تعطيل المدارس في الكويت جاءت مربوطة بضرورة توافر كل التجهيزات والاستعدادات الوقائية في المدارس، وهو الأمر الذي قد تم تأكيده شفوياً لهؤلاء الممثلين، لكنهم لم يروه على أرض الواقع، ولأننا نحن الجمهور مَن يعيش على أرض الواقع ونعلم أن التطبيق لم يتم حتى الآن والمدارس لاتزال مغلقة يكسوها الغبار، فندرك جيداً كم سيكون صعباً خلال هذه الفترة القصيرة مهما حاول جماعتنا القول بعكسه؟ ولنتذكر كيف يتأخر تسليم الكتب الدراسية عاماً بعد عام للطلبة بالرغم من كل التطمينات وضعف استعدادات المدارس مع بداية كل عام دراسي بالرغم من كل الادعاءات، ولنأخذ من هذا مثالا على كيف سيكون التعامل مع أزمتنا الحالية؟!

خامساً، أتمنى أن يكون للحكومة فريق علمي إعلامي متخصص محنك تناط به مهمة الإشراف على عملية التوعية، وألا تترك المسألة نهباً للاجتهادات، وكم سيكون جميلاً لو انطلقت حملة على غرار الحملة الناجحة للتبرع بالدم (قلوب طيبة) لهذه الأزمة، وسيكون أجمل لو أشركت جمعيات النفع العام ومؤسسات المجتمع المدني في العمل، والشركات ومؤسسات القطاع الخاص في التمويل والدعم المادي.

سأختم معتذرا عن طول المقال، ومؤكدا مرة أخرى، أن تقديري للدكتورين هلال الساير وموضي الحمود كبير جداً، فالدكتور الساير معلمي الذي تتلمذت على يده وتلقيت منه مبادئ علم الجراحة يوم كنت متدرباً في المستشفى الأميري، وفضل المعلم على طلبته كبير جداً، والدكتورة الحمود أستاذة أطمئن لإخلاصها وجديتها في عملها، لكن الاختلاف مع إدارتهما مسوغ، وتناولي للموضوع نابع من باب الإحساس بالمسؤولية الإنسانية وبحكم تخصصي المهني، وليس لغرض سياسي فلست أمثل أو أقف في صف أي أحد، اللهم إلا الناس وأبناء هذا الوطن.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء