يبدي خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" الإسلامية الفلسطينية التي ينظر إليها الغرب على نطاق واسع، وأيضاً إسرائيل، على أنها عصبة من الإرهابيين العازمين على القضاء على الدولة اليهودية، ثقة هادئة وهو يستعرض موقفه بروية في منزل آمن تحت حراسة مشددة في العاصمة السورية، دمشق: "سيتحاور العالم معنا ليس لأنه يريد ذلك إنما لأنه مضطر إلى التحاور معنا... حماس حركة معتدلة ومنفتحة على استعداد للتحدث إلى الجميع، وتشكّل لاعباً مهماً في المنطقة، لذا من الواضح أنه لا يمكن تخطيها".

Ad

لا شك أن عدد السياسيين والدبلوماسيين والجنود الغربيين الذين يتوصّلون إلى الاستنتاج التالي يزداد، باستثناء الإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي وحتماً إسرائيل، ويعتقد، على ما يبدو، مشعل المشذّب اللحية والممتلئ الجسم، والذي يتحدّث من دون انفعال وغالباً بحس فكاهة، بأن الوقت لمصلتحه، ويتصرّف هذا الرجل البالغ 54 عاماً كمن حقق انتصاراً، وبالفعل فقد فازت حركته الإسلامية بالانتخابات العامة الوحيدة التي تنافست عليها في عام 2006.

من جهتها، ترى "حماس" محمود عباس، الرئيس الفلسطيني المعترف به دولياً، والذي يتزعّم حركة "فتح" المنافسة والعلمانية، كمجرّد "رئيس موقّت".

في المقابل، يتراجع عدد الإسرائيليين الذين قد يتصوّرون عقد اتّفاق مع "فتح"، فكيف الأمر مع "حماس"؟ وذلك على الرغم من أن الرئيس شيمون بيريز حثّ الأوروبيين على ما يبدو في الآونة الأخيرة في تعليق مقتضب له على محاولة جذب "حماس" إلى الجمع الدبلوماسي، ويعتقد معظم الإسرائيليين أن "حماس" تريد القذف بهم في البحر، فضلاً عن ذلك، لن يستطيعوا مسامحتها بسهولة على التفجيرات والهجمات التي لا تُحصى، والتي نفّذها أتباعها خلال الانتفاضة بين العامين 2000 و2005، والتي جرت غالباً عبر تفجير أنفسهم، ما أسفر عن مقتل مئات المدنيين والجنود الإسرائيليين، ففي جميع الأحوال، لاتزال "حماس" مستبعدة من اللعبة الدبلوماسية الأساسية، بينما يسعى المفاوضون الأكثر ميلاً إلى التهدئة في "فتح" بكل جهد إلى إحراز تقدم.    

قبل أيام، التقى باراك أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في العاصمة واشنطن، وذلك بعد مضي ثلاثة أشهر على معاملة أوباما لنتنياهو بازدراء شديد لم يسبق أن عومل به أي زعيم إسرائيلي سابق.

 هذه المرة، طمأنه أوباما كما جرت العادة بأن الولايات المتحدة لن تخيّب ظن إسرائيل، معبّراً أيضاً عن دعم نادر لقوة الردع النووية لدى إسرائيل، وأكّد من جانب آخر أن نتنياهو "مستعد لتحمّل مخاطر من أجل السلام"، ومن جهته، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي أنه سيتّخذ "خطوات ملموسة" لتحويل "محادثات الجوار" غير المباشرة بين حكومته والفلسطينيين الأكثر اعتدالاً إلى محادثات مباشرة قد تؤدّي، على ما يؤمَل، إلى إقامة دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيلية، لكن حتّى الساعة لم تتضّح ماهية تلك الخطوات الملموسة، أو ما إذا كان نتنياهو عازماً بالفعل على التوصل إلى اتفاق.

في المقابل، لا رغبة واضحة لعباس، الذي استقبله أوباما بترحاب وحرارة في واشنطن منذ شهر فحسب، في دعوة "حماس" إلى طاولة المفاوضات في أي وقت قريب، إذ لايزال الفصيلان الفلسطينيان على خلاف، فبعد مرور سنة ونصف السنة على فوز "حماس" في الانتخابات، طردت هذه الأخيرة عناصر "فتح" بزعامة عباس من قطاع غزّة بطريقة عنيفة، ومنذ ذلك الحين، تنحّت "فتح" جانباً بينما حاصرت إسرائيل، التي واجهت انتقادات متزايدة من معظم دول العالم، القطاع. لكن "حماس" عادت مجدداً إلى دائرة الضوء بصفتها الحزب الحاكم في غزّة، وذلك بفضل المواجهة المميتة والخرقاء بين قوّات الكوماندوس الإسرائيلية وأسطول سفن تحدّي الحصار.

من جهتها، لاتزال البلدان العربية المؤيدة للغرب والمعنية بشكل مباشر، لا سيما مصر، ماضية في دعم حزب عباس وإبعاد "حماس" عن لعبة المفاوضات، وتحاول الحكومة المصرية منذ سنوات بطريقة ما ترقيع الخلافات بين "حماس" و"فتح" لكنها في الحقيقة تكره "حماس"، التي تفرّعت أصلاً من الإخوان المسلمين، لأنها من أشد المعارضين للنظام في مصر ورئيسه حسني مبارك الذي يعاني مشاكل صحية.

في تلك الأثناء، تراقب "حماس" من بعيد تعرقل محادثات الجوار، بالرغم من التصريحات المتفائلة للمسؤولين التابعين للإدارة الأميركية في الشرق الأوسط. من جهته، يلتزم المبعوث الأميركي جورج ميتشل الصمت لعجزه حتّى الساعة عن الإشارة إلى أي تقدّم. في المقابل، بحسب ممثلي عباس الذين يصرون على معالجة المسألتين الأهم في المقام الأول، وهما إعادة ترسيم الحدود للدولتين المستقبليتين وضمان أمنهما، لم تفض المحادثات إلى أي نتيجة.

يخشى هؤلاء بشكل خاص ألا يمدد نتنياهو فترة تجميد بناء المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية بعد انقضاء مهلة العشرة أشهر التي وعد بها في سبتمبر، فما أغضب أوباما في السابق، إلى حد رفضه استقبال نتنياهو بحرارة في المرة الأخيرة التي زار فيها البيت الأبيض، رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي تمديد هذه المهلة وعزمه على استبعاد القدس الشرقية التي يعتبرها الفلسطينيون عاصمتهم المستقبلية. لكن أوباما والإسرائيليين روّجوا للقاء الأسبوع الماضي، فالرئيس الأميركي يدرك تمام الإدراك، في معرض انتخابات الكونغرس التي ستُجرى في نوفمبر، أن الجمهوريين اتّهموه بأنه يتصرّف بقساوة بالغة تجاه إسرائيل.

إذن، يترقّب مشعل فشل المحادثات، آملاً أن تدعو موجة من الأصوات الدبلوماسية "حماس" إلى المشاركة في المفاوضات المستقبلية، حتّى لو رفضت الاعتراف أولاً بإسرائيل، فيراقب بنهم تقهقر سطوة مصر الدبلوماسية، وعدم استعداد السعودية لتولّي القيادة، ونهوض تركيا وفتور علاقتها بإسرائيل عقب حادثة الأسطول التي أسفرت عن مقتل تسعة أتراك، وتجدد دور سورية وإيران الداعمتين كلتيهما لـ"حماس"، وينظر في الوقت عينه، بشماتة إلى استنفاد الولايات المتحدة الواضح لقواها، بينما تتخبط في مشاكل في أفغانستان وتعجز عن تهدئة العراق.

 من جهته، يقول المتحدث باسم الحركة في مجال الشؤون الخارجية، أسامة حمدان، بضحكة خافتة: "لا تستطيع حتّى معالجة مسألة القراصنة الصوماليين".     

بحسب ما يزعم مشعل، يتنامى عدد الأميركيين، ولو ليس المسؤولين في الإدارة بعد، الذين يبدون لهفةً للتحاور معه، ويوضح: "يجد المسؤولون في الإدارة الأميركية والمسؤولون الأوروبيون أنفسهم مضطرين إلى الامتناع عن التحدث إلى حماس، وهذا عبء أكبر عليهم مما هو علينا. على العالم أن يتحاور معنا، إن لم يكن اليوم فغداً، فالاتّحاد الأوروبي يعلم في قرارة نفسه أن عليه الاجتماع بحماس، لأن السياسة الحالية تشكّل عبئاً على الأوروبيين".

ويشير مشعل أيضاً إلى خلاف في اللجنة الرباعية الدولية المسؤولة عن عملية السلام في الصراع العربي الإسرائيلي والمؤلّفة من الاتّحاد الأوروبي، وروسيا، والأمم المتحدة والولايات المتحدة، إذ تقول اللجنة الرباعية إنها لن تتحاور مع "حماس" إلا في حال اعترفت بإسرائيل فضلاً عن شروط أخرى، لكن الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف أجرى محادثات في الآونة الأخيرة مع مشعل موضحاً له نيّته تعزيز العلاقات بينهما.

الدجاجة والبيضة

لعل بعض هذه الملاحظات مجرّد أمنيات، فعلى الرغم من سرور مشعل المتوقّع بالتعاطف التركي الجديد مع "حماس"، فإن إسرائيل لا تزال على علاقة وثيقة بالحكومة في أنقرة بالرغم من النزاع الحالي بينهما، لكن الأوروبيين يتراجعون أكثر فأكثر عن إصرارهم، حتّى الساعة بشكل سري، على ضرورة أن تعترف "حماس" بإسرائيل قبل انضمامها إلى النقاش الدبلوماسي. في المقابل، تلمّح "حماس" إلى أن هذا الاعتراف سيأتي في نهاية المفاوضات وليس في بدايتها.

وقد أكّد مشعل مرات عدّة على مر السنوات الماضية أنه يقبل بإقامة دولتين على كلا الجانبين من الحدود المرسومة قبل حرب عام 1967 بين إسرائيل والعرب، حيث يقول: "قدّمنا بوادر إيجابية تشير إلى استعدادنا إلى التحلّي بالواقعية والتعامل ببراغماتية مع الوضع الراهن".

من جهة أخرى، يقر مراراً بـ"وثيقة المصالحة الوطنية" لعام 2006 التي تمخّضت عن اتّفاق بين السجناء البارزين في "حماس" و"فتح" في السجون الإسرائيلية (حيث لا يزال يقبع ما لا يقل عن 6300 شخص)، والتي تدعو بشكل واضح إلى إقامة دولة فلسطينية على طول حدود عام 1967، مناقضةً بذلك الميثاق المقلق الذي وضعته "حماس" في عام 1988، والذي يطالب بدولة على الأراضي الفلسطينية قبل عام 1948 كافة، بما فيها تلك التي تحوّلت إلى أراض إسرائيلية. وفي نقطة أخرى، تشدد وثيقة عام 2006 أيضاً على "حق عودة" اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم ومنازلهم التي فُقدت بعد قيام إسرائيل، ولايزال مشعل يرفض  رفضاً قاطعاً التنصل من ميثاق "حماس"، رافضاً إياها كوثيقة قديمة أدركتها الأحداث إنما متمسكاً بها لكونها مفيدة كورقة تفاوض.

لايكاد ذلك يقنع الإسرائيليين، لكن مشعل يحرص باستمرار على عدم القيام بتنازلات قد لا تكون متبادلة، فبرأيه، قدّم عباس وحركة "فتح" تنازلات بوتيرة مذلة، حيث يقول: "تعلّمنا من تجربة مفاوضات منظمة التحرير الفلسطينية في الماضي"، مشيراً إلى المنظّمة التي شكّلت "فتح" الجزء الأساسي منها، والتي اعترفت بإسرائيل في عام 1988، ويتابع: "نحن مختلفون عن منظّمة التحرير الفلسطينية. أولاً، لا نستسلم للتهديدات، فنحن لا نخاف. وثانياً، نتحلى بالصبر".