نحن جميعا، حكومة وبرلمانا وإعلاما وشعبا، لا نشعر بالمشكلة إلا حين يصل عداد وزارة الكهرباء إلى الخط الأحمر، فنبدأ مجددا بالصراخ، والتهديد، ونسل السيوف، كل على طريقته، وما إن يتلاشى الخطر ظاهريا، حتى ننسى وننام! نعرف جميعا أن موضوع أزمة الكهرباء، المحتدم جدا هذه الأيام، ليس موضوعا جديدا على الإطلاق، بل لعلي أميل بشكل من الأشكال لرأي النائب الفاضل سعد زنيفر، حين تحدث بعد صمت طويل، مخاطبا رئيس المجلس في معرض دفاعه عن ابن عمه وزير الكهرباء: الأخ الريس، مشكلة «الكرهبا» موجودة من 20 سنة.

Ad

بالطبع أنا لا أعتقد بوجود المشكلة من 20 سنة كما قال النائب الفاضل «زنيفر»، ولكنني على يقين تام بأن كل المتخصصين في ذلك الوقت، كانوا يدركون تمام الإدراك أن هذه المشكلة قادمة لا محالة، بل لعل الأمر لم يكن بحاجة لأي متخصصين، فمع ازدياد رقعة العمران، وتطور الاحتياجات الحكومية والسكانية، وكذلك احتياجات المنشآت الصناعية الآخذة في التكاثر، دون أي تطوير وزيادة لإنتاج محطات الكهرباء، كان من الممكن لأي عاقل يمتلك قليلا من العلم أن يتنبأ بأننا كنا سنصل حتما إلى هذه اللحظة الحرجة في يوم من الأيام! ونذكر جميعا كيف أن وزير الكهرباء الأسبق د. حمود الرقبة، رحمه الله، قد تحدث عن هذا كثيرا وحذر منه، ولكن لم يجد كلامه آنذاك تفاعلا حقيقيا من أي طرف.

هذه الضجة الكبرى اليوم، وهذا التهديد المستمر بالويل والثبور وعظائم الأمور، وأن المساءلة لابد أن تقع، كلها وللأسف مجرد هواء ساخن، ينطلق ويطير في الجو في نفس التوقيت من كل عام، طوال السنين الماضية.

ألا تذكرون كيف كان نفس النقاش وذات الصراخ والزعيق مثارا العام الماضي؟ وما إن تجاوزنا فصل الصيف، بلحظاته الحرجة، حتى عادت السيوف التي سلت إلى أغمادها، وهي التي هدد أصحابها بإراقة الدماء على الإسفلت إن لم تحل المشكلة، وخمدت النيران التي أشعلت، ونام الجميع قريري العين، بالرغم من أن المشكلة لم تعالج!

لا أبرئ نفسي من المسؤولية، فنحن جميعا، حكومة وبرلمانا وإعلاما وشعبا، لا نشعر بالمشكلة إلا حين يصل عداد وزارة الكهرباء إلى الخط الأحمر، فنبدأ مجددا بالصراخ، والتهديد، ونسل السيوف، كل على طريقته، وما إن يتلاشى الخطر ظاهريا، حتى ننسى وننام! والمضحك أننا نكرر ذلك مرة بعد مرة، بحماقة منقطعة النظير، وسنكررها هذه المرة، وسيستمر الكرنفال السياسي إلى أن ينتهي الموسم، فتختفي القضية من الذاكرة من جديد!

أسئلة أوجهها إلى من يهددون بمساءلة وزير الكهرباء هذه الأيام، ولا مشكلة عندي في ذلك، فالأمر يستحق ذلك: ماذا قدمتم أنتم كنواب على صعيد متابعة الإنجاز والرقابة لخطوات وزارة الكهرباء خلال الفترة الماضية لمعالجة المشكلة؟ هل طالبتم، مثلا، الوزير المختص بتقديم خطة زمنية محددة للعلاج، وتزويدكم بعدها بتقارير دورية عن تطور هذا الإنجاز قبل وصولنا اليوم إلى ساعة الصفر؟ ألم تكونوا على علم بأننا مقدمون على ذات المشكلة مرة أخرى؟ ألم تكونوا تدركون أننا، وبعدما تجاوزنا فصل الصيف الماضي بشق الأنفس، كنا سنرجع لمواجهة نفس المشكلة في هذا الصيف طالما أن قدرات محطات وزارة الكهرباء هي ذاتها؟!

إن مشكلة الكهرباء حتى الساعة يتم التعامل معها بعشوائية كبيرة، وبمعالجات سياسية متخبطة ارتجالية، وكأن الأمر برمته مسرحية هزلية عبثية، مرسومة قصدا لتدمير هذا البلد.