وجهة نظر : المخزون والانتاج الروسي على مائدة اوبك الرمضانية
يعقد وزراء «أوبك» اجتماعهم الـ 154 في مقر المنظمة بفيينا بعد إفطار يوم الأربعاء 9 سبتمبر الجاري دون حضور أي وفد من خارج المنظمة، وذلك للنظر في تقارير الخبراء لاتخاذ قرار بشأن مستوى إنتاج الدول الأعضاء في الفترة المقبلة، ويرجح معظم المراقبين أن تتوافق دول المنظمة على عدم القيام بأي تعديل على سقف أو حصص الإنتاج الحالية، ولاشك في أن ما سيطلع عليه الوزراء في هذا الاجتماع يرجح حدوث مثل هذا التوافق.
فلقد انخفض الاستهلاك العالمي بفعل الأزمة المالية وما سبقها من صعود قياسي في أسعار النفط بنحو 3.1 ملايين برميل يوميا في النصف الأول من عام 2009، وفق تقديرات إدارة الطاقة الأميركية مقارنة بما كان عليه في النصف الأول من العام الماضي، وكان نصيب دول منظمة التعاون والتنمية OECD من هذا الانخفاض 2.8 مليون برميل يوميا، أما دول العالم الأخرى فلم يتجاوز نصيبها من ذلك التراجع أكثر من الكمية المتبقية، أي نحو 300 ألف برميل/يوم.وبسبب استمرار تحسن مؤشرات الاقتصاد العالمي تتوقع إدارة الطاقة الأميركية أن يشهد الربع الأخير من العام الجاري أول تحسن في معدلات الطلب على النفط منذ أن بدأت هذه المعدلات بالتراجع في النصف الثاني من عام 2008، وفي المحصلة النهائية فإن من غير المتوقع أن يزيد التراجع في الطلب على النفط خلال العام الجاري على 1.7 مليون برميل، ومن المحتمل أن يحقق زيادة بنحو مليون برميل/يوم في عام 2010.أما الإنتاج في مجموعة الدول خارج الأوبك فمن المتوقع أن يزيد هذا العام بنحو 410 آلاف برميل، إضافة إلى تعويض الانخفاض في إنتاج المكسيك وبحر الشمال، وستأتي الزيادات في الإنتاج من الولايات المتحدة وروسيا وكازاخستان والبرازيل بشكل رئيسي، أما إنتاج الأوبك والمقدر بنحو 28.7 مليون برميل/يوم فهو يقل بنحو 3 ملايين برميل عما كان عليه في الربع الثالث من عام 2008. ومن المتوقع أن يزيد إنتاج الأوبك على مستواه الحالي في الفترة المتبقية من العام، بسبب ضعف التزام بعض الدول الأعضاء في المنظمة بنظام حصص الإنتاج المتفق عليها.ويبلغ المخزون الاستراتيجي من النفط لدى الدول الصناعية نحو 2.75 مليار برميل، أي ما يكفي استهلاكها لأكثر من 60 يوما، فضلا عن وجود مخزون إضافي عائم تحمله ناقلات نفطية، ومن المرجح أن يستمر المخزون الاستراتيجي في الارتفاع في الفترة المتبقية من العام، بسبب الشعور السائد حاليا بأن الأسعار عند مستوى 70 دولارا للبرميل ما زالت منخفضة، وهي مرشحة للارتفاع في الربع الأخير من العام. وبمقارنة بيانات العرض الكلي من النفط في السوق العالمي في الربع الجاري ببيانات الطلب العالمي عليه يتبين وجود نحو 300 ألف برميل من العرض الفائض عن الطلب، وهو فائض قد يتم استيعابه بواسطة المخزونات الإستراتيجية إذا ما استمرت الأسعار عند معدلاتها الحالية.ومن ثم لا يوجد ما يبرر إجراء تعديل في إنتاج «أوبك» في اجتماع سبتمبر الحالي، ففي ظل وجود هذا الفائض في السوق، وعدم التزام بعض أعضاء المنظمة فعليا بالحصص المحددة لهم، وهو التزام قدرت بعض المصادر نسبته بنحو 70 في المئة فحسب، فإن «أوبك» تملك ما يكفي من المبررات لعدم الاستجابة للضغوط الداعية إلى زيادة إنتاجها الحالي لمقابلة الزيادة المتوقعة في الطلب على النفط في الربع الرابع من العام الحالي وخصوصا من جانب الصين ودول آسيوية أخرى.بل إن بعض دول الأوبك كانت قد رجحت الدعوة إلى خفض الإنتاج لا زيادته عندما انخفضت الأسعار في الأسبوع الأول من أغسطس إلى أقل من 60 دولارا للبرميل في مقابل تزايد المخزونات الإستراتيجية، ولكن عودة السعر إلى نحو 70 دولارا للبرميل من شأنه تهدئة مخاوف هؤلاء في الوقت الحاضر على الأقل، خصوصا أن بعضهم يأمل بحلول شتاء شديد البرودة مع نهاية هذا العام، مما يدفع إلى استهلاك جزء من المخزون الاستراتيجي ومن ثم دعم الطلب والأسعار مع بداية عام 2010.وما زالت «أوبك» تتحسب أيضا لزيادة إنتاج إضافية من جانب روسيا التي بلغ إنتاجها نحو 10 ملايين برميل/يوم في شهر أغسطس الماضي، والتي يبدو أنها مستاءة من عدم مرونة بعض وزراء المنظمة عند مشاركتها في اجتماع سابق بوفد رفيع المستوى برئاسة نائب رئيس الوزراء إيغور سيتشين وعضوية وزير الطاقة سيرجي شماتكو لمناقشة موضوع عضويتها في الأوبك آنذاك، وكذلك لعدم استحسان المنظمة للشرط الروسي بشأن الربط بين قيام روسيا بخفض إنتاجها من النفط وتعهد دول «أوبك» بالدفاع عن سعر محدد لبرميل النفط، وكان الإنتاج الروسي قد وصل إلى أكثر من 10 ملايين برميل/يوم في أغسطس الماضي.كل هذه الوقائع المطروحة على مائدة وزراء «أوبك» الرمضانية هذا العام ترجح المحافظة على مستوى الإنتاج الحالي، خصوصا أن السعر السائد في السوق يبدو مقبولا من كلا الطرفين، منتجين ومستهلكين، في ظل المعطيات الحالية، وليس من مصلحة الأوبك دفع الأسعار إلى مستويات أعلى من ذلك، وذلك لضمان عدم التأثير سلبا على مؤشرات تعافي الاقتصاد العالمي، لأن ذلك سيعود بنتائج وخيمة على مستقبل نمو هذا الاقتصاد ومعه مستقبل الطلب على النفط.