عاد الحديث عن الدائرة الواحدة مجدداً هذه الأيام، ويبدو لي أن الأمر مرتبط بكون التعديل السابق على شكل الدوائر الانتخابية وجعلها خمساً، لم يؤد إلى تصحيح كبير ومقنع للمشاكل المرتبطة بالعملية الانتخابية.
ظاهرياً، قد يبدو أن تصغير عدد الدوائر وتكبير عدد الناخبين في كل دائرة سيصعّب الأمر على الاحتكارات الفئوية، معطياً بذلك للأقليات فرصة لإيصال نوابها إلى البرلمان، لكن الحقيقة ليست كذلك على طول الخط، فالشيطان كامن في تفاصيل أي تعديل، ومن الممكن أن يجعل من أي تعديل قراراً سيئاً، وربما مأساوياً، حتى إن بدا جميلاً وبراقاً من الخارج. وهذا بالضبط ما اكتشفناه جميعاً في التعديل الأخير إلى خمس دوائر، وكما سيكون عليه الأمر إن هو تم في التعديل إلى دائرة واحدة، لهذا أرجو ألا نقع في نفس الفخ مرة أخرى فنهرع لخيار الدائرة الواحدة دون تمحيص، وأن نتذكر هذه المرة أهمية التدقيق في تفاصيل التفاصيل.لابد أن ندرك وبوضوح أن من الممكن رسم أي تعديل بطريقة ملغومة تجعل حتى من خيار الدائرة الواحدة كارثة على واقع الممارسة الانتخابية. تخيلوا وتفكروا على سبيل المثال في دائرة انتخابية واحدة مع حصر حق الناخب في التصويت لمرشحين اثنين فقط، وستكتشفون أنه تماماً كالواقع السيئ الذي كان متمثلاً في خمس وعشرين دائرة، بل بشكل أسوأ. وأقول أسوأ، لأنه كأنه نفسه قد أتى سامحاً هذه المرة بانتقال الأصوات من دائرة إلى أخرى بكل حرية وبشكل قانوني تماماً، وهكذا ستتوجه الأصوات التي كانت فائضة في الدوائر المحتكرة قبلياً أو طائفياً وبفارق كبير عن الأقليات مثلاً، لدعم مرشحيها ممن كانوا لا يجدون فرصة للنجاح في الدوائر الأخرى، لنجد أنه عوضاً عن أن نعالج مشكلة الاحتكارات الفئوية وهضم حقوق الأقليات في التمثيل، زدناها تكريساً، فانتهى البرلمان مقطع الأوصال بين الفئات الكبرى المختلفة، على أسس قبلية وطائفية.سأزيدكم من الشعر بيتا فأقول إن تعديل الدوائر إلى دائرة واحدة، ومهما زاد عدد المرشحين الذين يمكن أن يصوِّت لهم الناخب، ولو بلغ خمسيناً، لن يقضي على الفئوية، بل سيقوم على العكس بتكريسها، تخيلوا الوضع إن هو حصل، وكيف ستجهز الفئات المختلفة تلقائياً قوائم بمرشحيها، لنصل إلى أن أبناء القبيلة الواحدة سيصوتون للخمسين مرشحاً من قبيلتهم، وإلى أن أبناء الطائفة سيصوتون للخمسين مرشحاً من طائفتهم وهكذا دواليك.نعم، لا يمكن إنكار حقيقة أن جزءاً من الحل، يكمن في تعديل الدوائر تعديلاً يضمن العدالة والمساواة بين المواطنين في حق الانتخاب، وهو الأمر المفقود في الدوائر الخمس الحالية، وأن الخيار الأفضل هو الدائرة الواحدة طبعاً، لكن شريطة أن يأتي هذا مقترنا بترتيب وتقنين جديد لآلية الانتخاب، وإلا فإنه سيؤدي إلى مشاكل أكبر بكثير من الواقع على علاته.إن الجزء الأهم من الحل، وبعد أن يتم التعديل إلى دائرة واحدة تعالج الفروقات العددية الفاحشة لكثافة السكان بين الدوائر، يكمن في أن يجعل الترشح للانتخابات قائماً على نظام جماعي مستند إلى البرامج، شريطة أن تكون الجماعات وبرامجها إدارية تنموية وطنية لا مذهبية ولا طائفية ولا قبلية، وأن ترفض كل قائمة تخالف ذلك، وهذا هو أول الطريق لكسر الطوق الفئوي. وأظن أن بإمكانكم رؤية كيف أن هذه الطريقة ستشكل النواة الحية القابلة للتطوير إلى تجربة حزبية وطنية حقيقية بعد ذلك. كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء
مقالات
الدائرة الواحدة... الشيطان في التفاصيل!
22-10-2009