الشباب... وخلق الفرص الوظيفية
المتابع لمسيرة فرص العمل في دول الخليج لابد أن يتوقف أمام حقيقة المتغيرات التي تمر بها أسواق العمل في المنطقة، فالواقع يفرض علينا الوقوف أمام المؤشرات الجديدة، وهي الأعداد الكبيرة المتزايدة من الشباب المتجهة إلى أسواق العمل بحثاً عن الوظائف، والتزايد السكاني، إضافة إلى تركز الفئة العمرية الصغيرة من السكان في الداخلين الجدد إلى سوق العمل، لذا فقد أصبح التوظيف عنصراً من عناصر الضغط على القطاعين الحكومي والخاص معاً.ولنبدأ بالقطاع الخاص، الذي برأيي مازال فاقداً للجاذبية بسبب تعثر العديد من الشركات والمؤسسات بعد الأزمة المالية العالمية، بالإضافة إلى ضعف قدرته على منافسة الحوافز الحكومية، فإما أن يتجه الشباب إلى قطاع البنوك الذي يفضل ذوي الخبرة، وإما إلى الشركات العائلية، التي تحبّذ أبناء المساهمين في إدارة المؤسسة، أو المشروعات الصغيرة التي مازالت في أمسّ الحاجة إلى الاستشارة الاقتصادية الجيدة حتى تتطور إلى مشاريع متوسطة وكبيرة، لذا فالقطاع الخاص يتحمل الأعباء والتكاليف معاً، بالإضافة إلى انخفاض تكاليف العمالة الوافدة، مما ألقى العبء على رجال الأعمال بتوظيف الداخلين إلى أسواق العمل من الشباب.
والسؤالان المطروحان هما: إلى متى نستطيع إنقاذ القطاع الخاص من التردد في توظيف العمالة الوطنية؟ وهل فقد المواطن الكويتي فعلاً المهارة الخاصة بتسويق قدراته في أسواق العمل؟ سنحاول الإجابة عما سبق عبر سلسلة من المقالات.وعودة إلى أوضاع التوظيف بالنسبة إلى القطاع الحكومي، فنجد أنه مازال جاذباً للخريجين بسبب الحوافز المادية المستمرة، وساعات العمل القليلة، والاكتفاء بالإنتاجية المتواضعة، فعلى الرغم من أن القدرات في الاستيعاب الوظيفي للأعداد المتزايدة من المتقدمين والداخلين الجدد إلى سوق العمل، في انحسار أمام صعوبة خلق وظائف جديدة، وإحلال العمالة المنتجة بدل العمالة غير المنتجة، أو بالأحرى تحفيز العمالة الوطنية على الإنتاجية في المجال الوظيفي وإخضاعهم للتقييم كشرط للترقية، فإن التوظيف مازال مستمراً حتى فاق العرض من العمالة المحلية الطلب في سوق العمل. وقبل أن نتساءل عن فعالية سياسات التوظيف وتجانسها مع سوق العمل، علينا أن نقرأ تاريخ المنطقة جيداً، لنجد أنه قبل اكتشاف النفط وانتشار المؤسسات التعليمية لم يكن أمام الكويتي الباحث عن العمل إلا التجارة والغوص والأعمال المهنية البناءة، الأمر الذي ساعد على تشكيل نسيج وظيفي "وطني"، لم يخل من عنصر المخاطرة، سواء كانت مصاحبة للأعمال التجارية، أو ركوب البحر فحسب، إنما عزز لدى الشباب ما يسمى في يومنا هذا بـEntrepreneurship، وخلق فيهم حب استكشاف الفرص الجديدة. أما اليوم فنجد الشباب والداخلين الجدد إلى سوق العمل يبحثون عن الراحة والحوافز والبدلات بمختلف أنواعها، مما يشعرني أحيانا أن الإغداق الحكومي بالحوافز المادية نعمة ونقمة معاً؛ نعمة لمساهمة الدولة في تحقيق الأمن الاقتصادي، ونقمة لأنه قتل روح المبادرة لدى الشباب، وساهم في تضخم وظيفي حكومي لانهائي... وللحديث بقية.كلمة أخيرة:في الوقت الذي تتعامل الأسواق المركزية التي يملكها القطاع الخاص، بنظام الفواتير التفصيلية التي تبيّن نوع المنتج والمنشأ والسعر... على سبيل المثال: تفاح إنكليزي ماركة جراني سميث، 3 كيلو، بسعر 3 دنانير، تصر الجمعيات التعاونية على التمسك بالنظام القديم المبهم الذي لا يحتوي إلا على كلمتين: "أصناف عامة"! هل السبب مادي؟... لا أعتقد فالأرباح التعاونية فاقت مثيلتها في القطاع الخاص... أم أن السبب هو غياب الرقابة؟!