خيبة استخباراتية وراء «كاوبوي» زاهدان

نشر في 20-07-2010
آخر تحديث 20-07-2010 | 00:00
 محمد صادق الحسيني لا أحد في إيران كلها يمكن أن يصدق، ولو للحظة واحدة، بأن هذه المجموعات الإرهابية المسلحة، التي تنشط بين الفينة والأخرى لتسفك الدماء في الأماكن العامة، بإمكانها أن تقوم بأي من هذه العمليات الوحشية دون تدريب ودعم وإسناد القوى الاستعمارية.

مرة أخرى تطفو «العورة» الاستخباراتية الأميركية على السطح فتحول إدارة أوباما المربكة أصلا في التعامل مع إيران، إلى مجرد راعي بقر يطلق النار على كل من حواليه كما هي حالة أفلام الويسترن الهوليوودية الشهيرة.

إذ يبدو أن «طعم» شهرام أميري الذي ابتلعته إدارة واشنطن هذه المرة، واستطعمته للوهلة الأولى، ومن ثم غصت به لتلفظه طواعية بعد فوات الأوان أفقدها صوابها، فعادت مرة أخرى إلى سياسة مايكل ليدن الشهيرة المعروفة في تحريك الفتن والحروب العرقية والمذهبية المتنقلة في المجتمع الإيراني، فكان الهجوم الإرهابي المزدوج على أحد مساجد زاهدان من جديد، ليذكر الإيرانيين والعالم أجمع بعصر الهجمات الوحشية التي ظل يشرف عليها هذا الأخير حتى سقوط ربيبه الإرهابي الصغير عبدالمالك ريكي في قبضة الاستخبارات الإيرانية رغم سماكة الطوق الأمني الذي أحيط به من جانب قوات حلف الأطلسي التائهة في رمال أفغانستان المتحركة.

ومايكل ليدن هذا لمن لا يعرف هو مسؤول قسم إيران في معهد واشنطن للشرق الأدنى في زمن بوش الابن، والذي تحول إلى مستشار خاص للرئيس الديمقراطي باراك أوباما، وهو صاحب نظرية «دمقرطة» إيران عن طريق تقسيمها إلى 83 قسما بين طائفة وعرق ومذهب أو قبيلة وعشيرة، وذلك على خلفية الدفاع عن حقوق الأقليات.

ومايكل ليدن هذا لمن لا يعرفه أيضا هو ضابط التوجيه السياسي الأعلى لقوات الكوماندوس الأميركية المنشغلة منذ سنوات في تدريب مجموعات إرهابية ليس فقط على امتداد الحدود الباكستانية الإيرانية شرقا، لإرسالها إلى داخل المدن الإيرانية المكتظة بالسكان البلوش جنوب شرق البلاد, بل على امتداد الحدود العراقية الإيرانية من الشمال إلى الجنوب من أجل إرسالها بشكل مجموعات مسلحة إلى المدن الكردية السنية الإيرانية شمال غرب البلاد، وإلى القرى العربية الشيعية الإيرانية جنوب غرب البلاد، وذلك بهدف إضعاف الدولة المركزية وتشتيت جهودها.

منذ «غزوة» الحادي عشر من سبتمبر الشهيرة والمخابرات الأميركية ومعها أجهزة الموساد الإسرائيلي تبحثان عما سمي في عهد بوش بالجائزة الكبرى، أي الانقضاض على الحكم المركزي في طهران.

لم تنفع كل الأساطيل الأميركية التي تجوب البحار منذ ذلك الحين، ولا قوات الغزو المتعددة الجنسيات، سواء تلك التي اجتاحت أفغانستان أو تلك التي استباحت العراق، في زعزعة أمن واستقرار الجمهورية الإسلامية الإيرانية، حيث كانت واحدة من أهم أهداف الغزوتين الآنفتي الذكر، إن لم تكن الهدف الغائي إذا ما أخذنا مقولة الجائزة الكبرى البوشية بعين الاعتبار. وكما كان يحلم بعض «المغسولة أدمغتهم»- على حد تعبير الزعيم الدرزي وليد جنبلاط في آخر نسخة من اعترافاته- من أشباه النخب الذين يسمون أنفسهم بالمعارضة، بأن إسالة الدم الداخلي من شأنها أن تعجل في التمرد أو الطغيان ضد نظام الحكم الإسلامي، وذلك عبر قولتهم الشهيرة: «الإصلاحات بحاجة إلى دم».

فإن مايكل ليدن الجاهل هذا بحقيقة إيران وبالثقافة الدينية الإيرانية ظن هو الآخر، وأقنع رؤساءه في المخابرات وفي البيت الأبيض والكونغرس، على ما يبدو، بأن الحل للوصول إلى الجائزة الكبرى قد يكون في إشعال نيران الطائفية والمذهبية والعرقية المقيتة، لعلها تشكل بادرة حرب أهلية داخلية عمومية من شأنها إضعاف عزيمة الإيرانيين ومقاومتهم لمشروع التبعية للأجنبي، فكانت هجمات زاهدان الأخيرة على غرار هجمات مجموعات البيجاك الإرهابية ضد المدن الكردية، وتلك الأخرى التي سبقتها ضد السكان العرب الإيرانيين جنوبا.

غير أن مايكل ليدن هذا وعملاءه الصغار من القتلة المباشرين كما من أشباه النخب التي شكلت ولا تزال البيئة الحاضنة لهذه الهجمات البربرية الوحشية والإرهابية، سرعان ما سيكتشفون أن سفك الدماء الإيرانية البريئة هذه لن تزيد الإيرانيين إلا منعة وقوة، وهل نسي هؤلاء أن أجيالا من هذا الشعب العظيم الصابر على الأذى منذ ثلاثة عقود، والصامد رغم أطواق الحصار وكل أشكال التآمر والاغتيال والقتل والذبح والدمار، كان انتصاره أصلا بنظرية حتمية انتصار الدم على السيف؟!

إنها خيبة جديدة سيدونها تاريخ شعب إيران العظيم في سجل خيبات الرجل الاستعماري الأبيض جمهوريا كان أم ديمقراطيا وأميركيا كان أم إسرائيليا.

ومثل هذه الجرائم الموصوفة إنما تقرب نهاية الأحلام الإمبراطورية كما نهاية أحلام أولئك الذين ربطوا مصيرهم بالاستقواء بالخارج على الداخل أيا كانت ذرائعهم.

لا أحد في إيران كلها يمكن أن يصدق، ولو للحظة واحدة، بأن هذه المجموعات الإرهابية المسلحة، التي تنشط بين الفينة والأخرى لتسفك الدماء في الأماكن العامة، بإمكانها أن تقوم بأي من هذه العمليات الوحشية دون تدريب ودعم وإسناد القوى الاستعمارية، وفي مقدمتها إدارة واشنطن وعصابات تل أبيب، ومعهما المخابرات البريطانية العطشى لدماء الإيرانيين.

فليدفن مايكل ليدن وأسياده وتابعوه الصغار أحلامهم في رؤية إيران مقسمة، أو متنازعة، أو متخاصمة، أومتفرقة مرة وإلى الابد، فإيران الإسلام لا تقبل القسمة على اثنين، فكيف بـ83 قسما؟!

إنه الدين والغيرة والثقافة والحضارة الإيرانية التي باتت معجونة بحب التضحية والإيثار من أجل الأولياء والصالحين، وهي الثقافة التي رضعتها الأقوام الإيرانية باختلاف تضاريسها اللغوية والعرقية مع حليب أمهاتها جيلا بعد جيل.

أخيرا وليس آخرا نصيحة لمايكل ليدن العامل تحت إمرة «المسيحية» البروتستانتية المتصهينة، ولأسياده والتابعين الصغار نقول: لقد جرب من قبلكم نفر كثير حظهم العاثر مع إيران الإسلام فباؤوا بفشل ذريع من طبس إلى زاهدان، فإن كنتم مع ذلك مصرين على ارتكاب الحماقة، نقول لكم كما يقول المثل الشهير: «من جرب المجرب عقلو مخرب» أو «من جرب المجرب حلت به الندامة»، وإن غدا لناظره قريب.

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي- الإيراني 

back to top