كانت حقوق الإنسان هي الشغل الشاغل للأجداد والآباء الذين وضعوا دستور الكويت، قبل أن تصبح هذه الحقوق، قضية كونية، يثير العدوان عليها حفيظة الرأي العام العالمي، وحفيظة الدول العظمي التي تنتهك هذه الحقوق، ولكنها تتجمل بتوقيع العقوبات على الدول التي تنتهكها. وقد حفل دستور الكويت بهذه الحقوق كافة، فالعدل والحرية والمساواة دعامات المجتمع، تصونها الدولة وتكفلها، ورعاية النشء وحمايته من الاستغلال ووقايته من الإهمال الأدبي والجسماني والروحي هي واجب على الدولة، والملكية الخاصة مصونة، والمصادرة العامة للأموال محظورة، والمصادرة الخاصة لا تكون إلا بحكم قضائي، والناس سواسية في الكرامة الإنسانية، وهم متساوون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين، والحرية الشخصية مكفولة، ولا يعرض أي إنسان- ولو كان متهماً في جريمة– للتعذيب أو المعاملة الحاطة بالكرامة، ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا يعاقب الإنسان إلا على الأفعال اللاحقة للعمل بالقانون الذي ينص عليها، والعقوبة شخصية، والمتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تؤمن له فيها الضمانات المقررة لممارسة حق الدفاع، وحرية الاعتقاد مطلقة وحرية الرأي والبحث العلمي مكفولة، وحرية الصحافة والطباعة والنشر مكفولة، وللمساكن حرمة، وحرية المراسلات البريدية والبرقية والهاتفية مصونة، وسريتها مكفولة، وللأفراد حق الاجتماع دون حاجة إلى إذن أو إخطار سابق، والاجتماعات العامة والتجمعات والمواكب مباحة، وحرية تكوين الجمعيات والنقابات مكفولة، ولكل فرد حق الشكوى، وتسليم اللاجئين السياسيين محظور. ومن هذه الحقوق والحريات ما اعتبره الدستور حقاً مطلقاً، عصياً على تدخل المشرع، مثل حرية العقيدة والعدل والحرية الشخصية والمساواة، وكرامة الفرد، وافتراض البراءة في الإنسان وحماية الملكية الخاصة، وغير ذلك من حقوق يمارسها الفرد مستظلاً بأحكام الدستور وحدها، وفي إطار من مراعاة النظام العام واحترام الآداب العامة الذي هو واجب على كل سكان الكويت وفقاً لأحكام المادة (31) من الدستور. ومن هذه الحقوق والحريات التي ترك الدستور تنظيمها للمشرع حرية تكوين الجمعيات والنقابات التي كفلها الدستور للكل فيما تنص عليه المادة (43) من أن حرية تكوين الجمعيات والنقابات على أسس وطنية وبوسائل سلمية مكفولة وفقاً للشروط والأوضاع التي يبينها القانون. ولكن المشرع عندما أصدر القانون رقم 24 لسنة 1962 في شأن الأندية وجمعيات النفع العام، قصر في المادة (4) حق تأسيس الأندية وجمعيات النفع العام على الكويتيين وحدهم، وهو ما يعتبر تخصيصاً للحكم العام الوارد في المادة 43 من الدستور، وانتقاصاً من الحق المقرر فيها.
ومن الأركان الأساسية التي يقوم عليها نظام الدولة القانونية ومبدأ المشروعية ركن أساسي هو تدرج القواعد القانونية، بمعنى أن القواعد القانونية التي يتكون منها النظام القانوني للدولة، ترتبط ببعضها ارتباطاً تسلسلياً، فكلما كانت السلطة أو الهيئة أعلى مرتبة كانت لقراراتها قوة أكبر، فنجد في القمة الدستور الذي يعتبر في مرتبة أعلى من القوانين. وهو ما أوقع الدولة في مأزق، عند إنشاء الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية فقد حال قانون الأندية وجمعيات النفع العام، دون إنشاء هذه الجمعية الأمر الذي أدى إلى تدخل المشرع بالقانون رقم 64 لسنة 1986 بإنشاء الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية، وهو ما أوقع المشرع في مأزق دستوري آخر، هو تجرد هذا القانون من خصوصيتين أساسيتين في القانون، هما العمومية والتجريد. كما أوقع قانون الأندية وجمعيات النفع العام، الاقتراح بقانون الذي قدمه بعض أعضاء مجلس الأمة في فصل تشريعي أسبق، بإنشاء جمعية لحقوق الإنسان، في المأزق الدستوري والقانوني ذاته، وكان إنشاء هذه الجمعية حلماً للكثيرين وعلى رأسهم المناضل الكبير من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، الراحل جاسم القطامي.
مقالات
ما قل ودل: الحقوق الدستورية لاينتقص منها تنظيم تشريعي
15-03-2010