الحروب على الحرب الأفغانية
يفترض المسؤولون البريطانيون، لمنع كارثة سياسية أو عسكرية، بقاء عدد كبير من القوّات الأجنبية في أفغانستان حتّى عام 2014، وذلك بغض النظر عن عدد الأقاليم التي ستنتقل إلى عهدة الأفغان اسمياً في الأشهر المقبلة.
لم يعد هلمند، ذلك الإقليم النائي في أفغانستان، تحت إمرة البريطانيين، فطوال معظم السنوات الأربع الماضية، منذ أن بدأت فرقة بريطانية لا تتمتع بما يكفي من القوة بقتال حركة طالبان، شكّل إقليم هلمند هاجساً للجيش البريطاني، فكانت القوّات تدخله وتنسحب منه بالتناوب، وسمعة كل قائد هناك تُبنى وتُهدّم، بينما كان المستشارون يتزلّفون إلى المسؤولين المثيرين للشك وشيوخ القبائل المخادعين. لم تكن الأحداث التي تجري في الأماكن الأخرى من أفغانستان ذات أهمية كبيرة بالنسبة إلى البريطانيين المنتشرين في ذلك الإقليم الدموي الذي كانوا يسيطرون عليه، لكن مع تعاظم قوّة المتمرّدين الطالبان، أُرسل عدد إضافي كبير من الجنود الأميركيين لمساعدة القوات البريطانية المطوّقة، إذ يوجد اليوم 20 ألف أميركي في هلمند، مقارنةً بثمانية آلاف بريطاني، وكما كان متوقّعاً، اندرج البريطانيون في الأسبوع الماضي إلى حد ما ضمن فرقة أميركية أكبر. في هذا الإطار، تسلّم جنرال في البحرية الأميركية، ريتشارد ميلز، قيادة مباشرة على هلمند وإقليم نمروز المجاور، كجزء من القيادة الإقليمية للجنوب والتي تُعرف اليوم بالقيادة الإقليمية للجنوب الغربي.
من جهتهم، يقول البريطانيون، إن مثل هذه الترتيبات العبثية غير مجدية في التحالفات العسكرية لأنه في جميع الأحوال سيتولّى البريطانيون مجدداً القيادة الإقليمية للجنوب الغربي في غضون عام، هذا فضلاً عن أن القيادة الإقليمية للجنوب لاتزال تحت إمرة الجنرال البريطاني، نيك كارتر. مع ذلك يصعب التهرّب من الاستنتاج القائل إن الحرب اليوم عبارة عن استعراض أميركي بشكل أساسي يؤدي فيه البريطانيون دوراً ثانوياً، وبالنسبة إلى معارضي الحرب من البريطانيين، فقد حان الوقت للبدء بسحب القوّات البريطانية بعد مقتل 290 رجلاً وامرأة وتشوّه المئات من دون تحقيق مكاسب على الأرض، وفي المقابل، يستعد الهولنديون والكنديون مسبقاً لمغادرة أفغانستان، وقد وعدت الولايات المتحدة نفسها بمباشرة سحب قوّاتها بدءاً من يوليو 2011. من جهة أخرى، بدت حكومة التحالف بقيادة ديفيد كاميرون لفترة وجيزة أنها تتعامل باستخفاف مع فكرة الانسحاب بشكل أسرع، لكن ليام فوكس، وزير الدفاع، تحدّث عن رغبة في "إعادة تنظيم التوقّعات والحدود الزمنية"، وذلك عشية رحلته إلى أفغانستان برفقة زملاء آخرين له في الحكومة الشهر الفائت، وقال في إحدى المقابلات: "نحن لسنا شرطة عالمية، ولسنا في أفغانستان لوضع السياسات التربوية في بلد متخلّف لايزال يعيش في القرن الثالث عشر". يُذكَر أن كاميرون استدعى في الأول من يونيو وزراء بارزين، وضباطاً عسكريين ومسؤولين من مجلسه الجديد للأمن القومي الجديد لمناقشة موضوع أفغانستان في منزله الريفي، وحضر الاجتماع مشكّكون بارزون في استراتيجية الحرب أمثال روري ستيوارت، نائب جديد من حزب المحافظين كان على التوالي ضابطاً في الجيش، ودبلوماسياً، وأحد مسؤولي الاحتلال في العراق، وأخيراً، منظّم أعمال خيرية في أفغانستان. عمل ستيوارت جاهداً لفترة طويلة ومن دون جدوى على إقناع إدارة الرئيس باراك أوباما باعتماد مقاربة light footprint (تنفيذ عمليات محدودة النطاق مع أقل عدد من الخسائر المدنية) في أفغانستان والتركيز بشكل أساسي على عمليات مكافحة الإرهاب، لكن أوباما اختار في المقابل "زيادة عدد القوّات". في المقابل، لم يكن ستيورات على ما يبدو أوفر حظاً في إقناع رئيس الوزراء البريطاني، ويقول المسؤولون إن ذلك الاجتماع لم يكن "مراجعة" للسياسة، وإنما "مؤتمر" هدفه "البحث بتأن في الوضع الأفغاني". يُقال إن كاميرون أخبر الجمع بأن حكومته لن تغيّر مسارها وأنها ستدعم حرب الولايات المتحدة، وفي اليوم عينه، دعا رئيس الوزراء البريطاني الرئيس الأفغاني، حامد كرزاي، لما أسماه المسؤولون حواراً "دافئاً" بشأن "مجلس السلام" الذي عُقد في كابول، والاستعدادات للعمليات العسكرية في قندهار. تتفوّق رغبة كاميرون في بناء علاقات وطيدة مع إدارة أوباما على التذمّر البريطاني من الحرب، مع العلم أن استطلاع الرأي الذي أجرته شركة Com Res في أبريل كشف عن أن 77% من الشعب البريطاني يريدون انسحاب القوّات من أفغانستان. ستسر تلك الرسالة روبرت غيتس، وزير الدفاع الأميركي، الذي سيزور لندن للقاء أعضاء الحكومة الجديدة قبل عقد حلف شمال الأطلسي (الناتو) اجتماعه في بروكسل في 10 و11 يونيو. على صعيد آخر، يُتوقّع أن يقدّم قائد القوّات الأميركية في أفغانستان، الجنرال ستانلي ماكريستال، في ديسمبر نتائج مراجعة من شأنها تحديد موعد إمكان سحب الناتو قوّاته في السنة المقبلة ومدى سرعته، ولمنع كارثة سياسية أو عسكرية، يفترض المسؤولون البريطانيون بقاء عدد كبير من القوّات الأجنبية في أفغانستان حتّى عام 2014، وذلك بغض النظر عن عدد الأقاليم التي ستنتقل إلى عهدة الأفغان اسمياً في الأشهر المقبلة. لعل الشائعات التي تسري حول التنحي المحتمل للسير جوك ستيراب، رئيس هيئة الأركان، وحلول قائد الجيش الذي أبدى تفانياً في عمله في أفغانستان، الجنرال السير ديفيد ريتشاردز، محلّه مؤشراً إلى المناخ السائد في مقر الحكومة البريطانية. روّج الجنرال ريتشاردز من وراء الكواليس لضرورة انتقال القوّات البريطانية من هلمند إلى ولاية قندهار، فلطالما بدت قندهار، ثاني أكبر مدينة في أفغانستان والمرجع الإيديولوجي لحركة طالبان، ملكية أكثر أهميةً من هلمند بالنسبة إلى الضباط البريطانيين الطموحين، ولذلك من شأن انسحاب القوات الكندية في العام المقبل التمهيد لدخول البريطانيين إليها، وأداء دور مركزي في المرحلة المقبلة من الحرب، ومضاعفة التأثير البريطاني على الأميركيين، وربما احتفاظهم بقيادة دائمة.مع ذلك، يبدو أن مثل هذه الأفكار أُعيقت من قبل السلطات العليا، فقد استثمرت بريطانيا بشكل كبير في البنية التحتية العسكرية، وفي تطوير اتصالات ومصادر استخباراتية في هلمند، ولذلك على حد قول فوكس: "سيكون من الجنون الانتقال إلى مكان آخر والانطلاق من جديد".