ماذا يجري على كتف مضيقي باب المندب وهرمز في ظل التهويل الأميركي حول برنامج إيران النووي، والتصعيد المبرمج ضد طهران والإصرار على اعتبارها هي الخطر الداهم على الأمة العربية وليس إسرائيل وكيانها الغاصب؟! سؤال كبير ينتظر الكثيرون الإجابة عنه من خلال تطورات حريق صعدة أو حرب الوقيعة بين الإخوة والأشقاء والأصدقاء.

Ad

ليس مدهشا ومثيراً للحيرة فحسب ما يجري على كتف الجزيرة العربية من حريق باسم «حرب صعدة» السادسة كما يسميها أشقاؤنا اليمنيون، بل المدهش والمثير للحيرة أكثر هو «انزلاق» دولة عربية كبيرة لطالما صنّفت في عداد الدول الحكيمة والعاقلة والمعتدلة أي المملكة العربية السعودية إليها، أيا تكن الذرائع المعلنة، والمحاولات الحثيثة لجر الجمهورية الإسلامية الإيرانية إليها أيضا من خلال الزج باسمها بصورة أو بأخرى وبأدلة «معلبة» وجاهزة أو من دونها.

ولمن لم يسمع من قبل عن هذه الحرب البشعة والمحزنة، وأيضا لمن لا يعرف مدى خطورة هذا الحريق فيما لو امتد لا سمح الله ليصبح إقليميا ودوليا نورد له الحقائق المثبتة والمجمع عليها حول هذه الحرب كما يلي:

أولا: أن هذه الحرب المندلعة حاليا في هذه المنطقة إنما تندلع هذا اليوم ليس لأول مرة، بل للمرة السادسة بين عسكر العاصمة صنعاء والجماعة المسلحة التي باتت معروفة بالحوثيين، منذ عدة سنوات ولا علاقة لها بالمعادلات الإقليمية الراهنة.

ثانيا: أن المواطنين اليمنيين والبيوتات اليمنية والقبائل العديدة التي يتشكل منها اليمن إنما هي قبائل مسلحة، ويتداخل تسلحها مع تشكيلات الجيش اليمني بشكل متشابك ومعقد لا يشبه أي بلد آخر من البلاد العربية والإسلامية.

ثالثا: أن من يسمون اليوم بالحوثيين إنما تعود تسميتهم إلى أحد بيوتات اليمن المعروفين بآل الحوثي نسية لكبيرهم المعروف ببدر الدين الحوثي، وهو بيت ينتمي إلى الطائفة أو المذهب الرئيس الذي ينتمي إليه أغلبية الشعب اليمني بمن فيهم الرئيس الحاكم علي عبدالله صالح، وهو المذهب الزيدي نسبة للإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضوان الله عليهم.

رابعا: أن الحرب الأولى التي اندلعت بين الطرفين المتحاربين حاليا في حربهم السادسة إنما كانت بسبب ما اعتبره آل الحوثي وبعض سكان صعدة «استفزازا» أقدم عليه بعض ممن تربطهم علاقة طيبة مع الخارج الذي يكفّر الطائفة الرئيسة المشار إليها آنفا، وذلك من خلال اقتحام مسجدهم الرئيس هناك، واستعراض عضلات مدفوع الثمن كما يقولون، ما أدى في حينها إلى استنفار غيرة أهل المنطقة وما تبعه من نشوء تمرد قاده يومها السيد حسين الحوثي الذي تم قتله رغم تسليم نفسه للسلطات آنذاك، فقد أصبح بحكم الأسير بيد من يمثلون السلطة المركزية، الأمر الذي أشعل وقتها انتفاضة مسلحة أكبر اضطرت إلى الالتحاق بها قبيلة أخرى كانت قد ضمنت سلامة السيد حسين الحوثي، ولم تحفظ كرامتها ولا التعهدات التي أعطيت لها بشأن سلامة الأسير.

خامسا: إذا كان صحيحا أن حسين الحوثي هذا كان قد درس في مدينة قم الإيرانية المقدسة لفترة كما تتناقل الروايات، وأنه أدخل بعد عودته منها بعض التعديلات الدينية على بعض مبادئ المذهب الزيدي، فإن هذا الأمر لم يغير لا من طبيعة المذهب الأصلي ولا من طبيعة التوزيع الديمغرافي لسكان صعدة ناهيك عن اليمن، ولا من طبيعة التفكير الديني لآل الحوثي أنفسهم، وبالتالي فإن أي حديث عن حرب طائفية أو مذهبية إنما هو من صناعة المهندس الأميركي-الإسرائيلي لمثل هذه الحروب.

سادسا: إن ثمة مشكلة اجتماعية عامة أصلا في منطقة صعدة تشبه كل مشاكل الأطراف مع المركز في أي بلد من بلاد العالم الثالث، وهي مشكلة لها علاقة بالتنمية والفقر والإهمال والحدود ومشاكل الحدود المعروفة من التهريب إلى التخريب.

سابعا: إن ما يجمع عليه اليمنيون بكل اتجاهاتهم الاجتماعية والسياسية هو أن أول وآخر من سلح الحوثيين إنما هم جماعة السلطة أنفسهم، والسبب المعلن والمعروف للجميع هو إيجاد التوازن المطلوب بين الجماعات المتنازعة داخليا على النفوذ والقرب والبعد عن السلطة المركزية.

ثامنا: إن السلاح الذي يتدفق الآن على الحوثيين والقبائل المتحالفة معهم والتي تتزايد اليوم إنما يأتي في أغلبه من الداخل اليمني، وتحديدا من غنائم الجيش اليمني بشكل خاص.

تاسعا: ثمة من يعتقد جازما من أطراف المعارضة اليمنية بأن زج اسم إيران الدولة في الموضوع إنما كان ضمن خطة منظمة آتت أكلها، إذ إن الهدف منها كان الدفع بالسعودية للانزلاق إلى هذه الحرب، وإذا ما أمكن الدفع بإيران إلى نفس المستنقع.

عاشرا: أخيرا وآخرا فإن- وأيا كانت المبررات والأسباب للأطراف المختلفة للانخراط في هذا الحريق- الأمر الذي لم يعد يختلف عليه اثنان في المنطقة هو أن استمرار هذا الحريق وتوسعته من خلال إدخال أطراف جديدة إليه، ورفض الدخول في دائرة الحوار والمفاوضات لحل المشكل سلميا، قد يكون الباب الذي فتحته الدول الاستعمارية الكبرى لنا جميعا، انطلاقا من مسألة صعدة للسيطرة على منافذ البحار العربية والإسلامية في المنطقة، وتفتيت اليمن كما السعودية وإعلانهما دولتين فاشلتين بحاجة إلى وصاية دولية والعياذ بالله.

هذا ما وجب التحذير منه، وهذا هو ما دفع ولايزال يدفع بعض إخواننا وأحبائنا المخلصين في إيران والبلاد العربية للاندهاش منه، وهذا ما دفع ولايزال إيران لإرسال الرسائل المختلفة للمسؤولين اليمنيين لتنبيههم من الخطر المضمر الذي يكاد يصبح محدقاً بالجميع، وليس الشقيق اليمن لوحده فضلا عن بلاد الحرمين الشريفين.

والمعلومات المتوافرة لدينا، وإن كانت متواضعة، تؤكد أن سفارات دول كبرى في المنطقة تنشط منذ مدة لتحريض فئات معينة في عدة بلدان، من بينها المملكة السعودية ضد الحاكم المركزي بذريعة وحجة حماية الأقليات الدينية والمذهبية فهل من يعقل ويذكّر؟!

*الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة