كيف أصبح المسلمون بعد 8 سنوات على أحداث 11 سبتمبر؟

نشر في 14-09-2009
آخر تحديث 14-09-2009 | 00:00
 د. عبدالحميد الأنصاري مرت الذكرى الثامنة على زلزال 11 سبتمبر من دون بريقها المعتاد سنوياً، فجاءت هذه المرة في ظل رئيس جديد يتجنب استخدام عبارة سلفه الرئيس السابق «الحرب ضد الإرهاب» يصفونه بـ«الاعتذاري» لكثرة اعتذاراته للمسلمين وللعالم لأنه يريد تغيير صورة أميركا الخارجية عبر كسب القلوب والمشاعر.  لقد كانت اعتداءات سبتمبر محطة فاصلة في تاريخ أميركا والعالم بعد محطة «بيرل هاربر» التي ضربت أميركا قبل 65 سنة، وكان من تداعياتها دخول أميركا الحرب الثانية وضرب اليابان بقنبلتين نوويتين وتغير العالم وقتها كما لم يتغير عبر عقود من السنين، لكن تداعيات 11 سبتمبر على أميركا وعلى العالم كانت أكثر شمولاً وتأثيراً، إذ لم تترك تلك الأحداث المأساوية جانباً من جوانب الحياة إلا تركت فيه أثراً، وكان نصيب العرب والمسلمين من تلك التأثيرات كبيراً، إذ لم تكتف أميركا بسحق طالبان وإطاحة نظامها القمعي، بل دمرت أوكار «القاعدة» وشردت زعيمها، وقبضت على كبار قادتها، وأخذت عناصرها مصفدين إلى أقفاص غوانتنامو الرهيب. كانت صدمة كبيرة على الشعب الأميركي الذي اصطف خلف رئيسه مطالباً بالثأر والقصاص، الأمر الذي دفع الإدارة الأميركية إلى تبني استراتجية «الحرب الاستباقية» ضد الإرهاب، وكان من تجلياتها غزو العراق، وإزالة نظام صدام، وكان ذلك خدمة عظيمة للعراقيين الذين تنفسوا الصعداء وللخليجيين الذين لم يكونوا بمأمن من بوائق جار السوء.  الآن بعد 8 سنوات هل انطوت صفحة 11 سبتمبر؟ وهل تلاشى خطر «القاعدة»؟ لا، فتداعيات 11 سبتمبر مازالت باقية وفاعلة فقد كان يوماً مفصلياً تغير فيه وجه التاريخ وأصبح عندنا عالمان: عالم ما قبل 11 سبتمبر، وعالم ما بعده، أصبح العالم أقل أمنا وبات الإنسان أكثر قلقاً وصار ملاحقاً بالقيود والإجراءات الأمنية أينما حل وارتحل، ولكن مصيبة المسلمين من بعد تلك الأحداث كانت أعظم، إذ أصبح المسلم والعربي خاصة موضع شك وتهمة، وقدمت «القاعدة» خدمة كبرى للتيارات اليمينية المتطرفة في أوروبا، والتي استغلت «القلق» الأوروبي من المسلمين لترسيخ الصورة السلبية في النفسية الجمعية للأوروبيين عن الإسلام بهدف كسب الشارع السياسي، وزيادة نفوذها ووصولها إلى السلطة، وانعكس كل ذلك على حياة الجاليات الإسلامية بمزيد من التضييق والتقييد على حرياتهم وحقوقهم، ومع ذلك لم تستطع «القاعدة» وعلى امتداد 8 سنوات تدبير أي اعتداء جديد على أميركا، كما لم تستطع تنفيذ هجمات جديدة في أوروبا بعد اعتداءات لندن 2005. ولكن «القاعدة» انقلبت على المسلمين وعاثت في ديارهم فساداً وتدميراً وتخريباً وقتلاً وسفكاً لدماء الأبرياء بالجملة، وتفننت في استهداف التجمعات البشرية حيث الأهداف الرخوة: المحطات، المطاعم الشعبية، المساجد، المزارات، ولم يسلم مكان من عبث «القاعدة» التي لم تراع قدسية لمسجد ولا للشهر الفضيل ولا حرمة لنفس مسلمة معصومة. انظر اليوم بعد 8 سنوات على هجمات 11 سبتمبر وعبر الساحة الإسلامية الواسعة، لن ترى في المشهد الإسلامي العام غير التفجيرات اليومية الدامية والعمليات الانتحارية في كل مكان والصراعات الدموية المستمرة، ويذهب ضحايا أبرياء مسلمون كل يوم في العراق في اليمن والصومال والجزائر وباكستان وأفغانستان وأندونيسيا وكل مكان في الساحة الإسلامية.  هذا ما تبقى من اعتداءات 11 سبتمبر، أصبح العرب خاصة والمسلمون عامة هم الضحايا في النهاية وهم الذين يواجهون اليوم نار الإرهاب المشتعلة في ديارهم وهم الذين يدفعون الثمن الأغلى والأفدح من حياتهم وحيات أبنائهم وأموالهم ومشاريعهم التنموية إضافة إلى الصورة السلبية التي يحملها العالم عن المسلمين. تداعيات 11 سبتمبر السلبية على المسلمين لم تنته بعد ولا يبدو في الأفق القريب ما يشير إلى نهاية قريبة، صحيح أن تلك الاعتداءات كانت من العوامل التي دفعت الدول العربية إلى مراجعة أوضاعها عبر إدخال إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية، فتعززت مكانة المرأة في العالم الإسلامي ونالت الكثير من حقوقها وتطورت التشريعات المتعلقة بالأسرة كما تم إعادة النظر في المناهج التعليمية عامة، ومناهج التعليم الديني خاصة، وتم ضبط ومراقبة العمل الخيري والمنابر الدينية وتوجهات الخطاب الديني إلا أن تلك المراجعات والإجراءات لم تتحول بعد إلى استراتيجيات ذات رؤية واضحة حول: ما الصورة المستقبلية المنشودة للتعليم؟ وما التجديد المطلوب في الخطاب الديني؟ وما نوعية الحياة التي ننشدها لأجيالنا القادمة؟ لقد اعتقدت أميركا أن ما حصل لها كان نتاج بيئات قمعية محرومة من نور الديمقراطية، وظنت أن الانتحاريين الذين استهدفوا رمزي الشموخ لديها هم إفرازات نظم تعليمية تقوم على العنف والكراهية فسعت لتغيير تلك الأوضاع- ترغيباً أو ضغطاً- عبر تشجيع الحكومات على تبني سياسات إصلاحية تؤدي إلى تغيير البيئة الحاضنة للفكر المتطرف، لكن ذلك تاريخ مضى وتبدو الإدارة الجديدة بقيادة «اوباما» غير متحمسة للسياسات السابقة، إذ قال في رسالته من منبر جامعة القاهرة إن أميركا مازالت داعمة للديمقراطية لكنها لا تفرضها على أحد والشعوب أدرى بما يصلح لها.  ويبدو الأميركيون بعد 8 سنوات قد سئموا الحرب على الإرهاب بعد حربين راح فيها 5 آلاف جندي أميركي وهم اليوم أكثر انشغالاً بالأزمة الاقتصادية وبمشروع الرئيس للرعاية الصحية، ويعتقدون أن أميركا اليوم أصبحت أكثر تحصينا ضد المخاطر الإرهابية.  أحيا الأميركيون في صبيحة 11 سبتمبر ذكرى الضحايا الذين شاء لهم حظهم العاثر أن يكونوا في ذانك البرجين الشامخين واستعادوا المشهد الكارثي الرهيب الذي مازال عالقاً في اذهانهم ولسان حالهم يقول: ماذا فعلنا لنستحق هذه العقوبة الغادرة؟! وقف الرئيس الأميركي دقيقه صمت حداداً واستعاد أقرباء الضحايا الذكريات الحزينة المؤلمة، وقال المتحدث من فريق التواصل الإلكتروني بالخارجية الأميركية «في هذا اليوم نعمل على استثمار طاقاتنا ومشاعرنا على عمل شيء إيجابي إحياء للذكرى، وتكريماً لمن فقدوا حياتهم ولن نسمح للأفكار السلبية والمشاعر الهدامة بأن تستهلكنا».  وعلى الجانب الآخر تبادل أنصار «القاعدة» التهاني بنجاح خطتهم فيما سموه «الغزوة المباركة» التي أذلت أميركا وانتقمت لكرامة المسلمين، وكان أنصار «القاعدة» حتى عهد قريب يقيمون احتفالاً سنوياً لتمجيد الانتحاريين الـ19 تحت شعار «العظماء الـ19» وعبر السنوات الثماني تكشفت تفاصيل كثيرة عن كيفية تخطيط «القاعدة» للاعتداءات واعترف خالد شيخ محمد وهو العقل المدبر للاعتداءات بأن فكرة استخدام الطائرات المدنية كصواريخ لضرب البرجين هي فكرته، لكن مع وضوح الأدلة وكثرة الاعترافات ومباهاة «القاعدة» بفعلتها فإن قطاعاً عريضاً من النخب والجماهير مازال يشكك في مسؤولية «القاعدة» ويرى في الأمر مؤامرة «أميركية-صهيونية» لاجتياح العالم الإسلامي، وطار القوم فرحاً بظهور كتاب لمؤلف فرنسي مغمور يزعم فيه أن «أميركا ضربت نفسها بنفسها» استضافوه واحتفوا به فكسب الملايين والشهرة ثم طواه النسيان.  مازالت العقلية التآمرية هي المهيمنة على الساحة، ولا أدل من تعليقات القراء في أحد المواقع الإلكترونية حول تقرير (8 سنوات على 11 سبتمبر: خطر «القاعدة» مستمر رغم تراجع قوتها) نجد فيها ما يأتي: «القاعدة» هي أكذوبة «سي أي إيه» و«11 سبتمبر شريط من إخراج كيسنجر وسيناريو تشيني وبطولة بوش»، و«مسرحية أميركية مفبركة مثل خطوت الإنسان الأولى على سطح القمر» بل هناك من يتساءل مستنكراً: هل يوجد تنظيم اسمه «القاعدة» بل إنها ذريعة أميركية لاحتلال الدول الإسلامية والتدخل في المناهج؟! لذلك لايزال قطاع كبير من الإسلاميين يتهمون «الموساد» بالعملية لأن «القاعدة» لا تملك الإمكانات لتنفيذ هذه العملية، وهناك من يرى تبعاً للأستاذ هيكل أن الصرب هم وراء العملية انتقاماً لما لحق بهم على يد أميركا. هؤلاء لم يتساءلوا: إذا كان الموساد أو اليمين الأميركي هم وراء العملية، فلم احتفال «القاعدة» بها؟! وإذا كان الهدف هيمنة أميركا على العالم فما حاجتها إلى إدماء أنفها وضرب رموز شموخها وهي مهيمنة فعلياً على العالم؟ وإذا كان المبرر إيجاد ذريعة لضرب «القاعدة» وطالبان واحتلال العراق فهل تنقص أميركا ذرائع ومبررات؟ وهل هي أصلا بحاجة إلى اختلاق مبررات؟! هؤلاء يرفضون مسؤولية «القاعدة» لأن التسليم بها يستتبع بالضرورة صحة الاتهامات الأميركية لمناهج التعليم والخطاب الديني في إنتاج التطرف الإرهابي، فهم إذ ينكرون مسؤولية «القاعدة» فإنهم ينكرون مسؤوليتهم عن تلك المناهج والخطاب الديني المحرض!

*كاتب قطري

 

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top