لا تكتمل علاقة الحب بطرفين فقط، إذ لابد من طرف آخر لا يقل أهمية عن الحبيب والحبيبة، طرف يكمل مثلث الحب، يعيش تفاصيل العلاقة بكل مشاعره وأحاسيسه، وقد يحترق قلبه في نارها أكثر من احتراق قلبي الحبيب والحبيبة، وبرغم احتراقه فإنه أكثر السعداء بلهيب تلك النار، ولا يهدأ له بالا إلا برؤيتها تشتعل على الدوام لا تنطفئ شعلتها، ولا يخبو جمرها،

Ad

إنه العاذل.

إنه الطرف الثالث الذي لم يأخذ حقه من التقدير في أي علاقة حب!

كل تراثنا العاطفي، والأدبي، والفني، أساء إليه، ونظر له بعين يملؤها الغضب واللوم، وحمّله وزر ما يصيب قلب الحب من كمد، وما ينتابه من أسى، لم يبق قصيدة، أو أغنية أتت على ذكر العذول، إلا وكالت له الذم وأسهبت في قدحه، لم يبق قصة عاطفية انتهت بالفشل إلا وأشارت إليه بأصابع الاتهام، ورمته بالحجر الصوان.

وأظن أننا يجب أن ننظر «بموضوعية» إلى ذلك العاذل، حتى نعرف إلى أي مدى بلغ تحاملنا عليه، وظلمنا له على مر السنين!

لنعترف أولا أن ذلك العاذل، يصطلي بالنار أكثر من العاشقين أنفسهم،

يصبح قلبه قطعة من الجمر عندما يلتقي عاشقان.

وعندما يتقاسمان لحظة الفرح

وعندما يتشاركان ضوء القمر

وعندما يلتحفان ثوب نسمة

وعندما تتشابك أصابعهما على نغم أغنية

وعندما تتوحد أنفاسهما في آهة

يجدُّ العاذل ويجتهد في البحث عن أصغر الخطايا في أحد العاشقين ليبرزها كبائر للطرف الآخر.

يضحي العاذل بالكثير من الوقت والتفكير لأجل علاقة الحب،

ولتقييم عظم هذه التضحية، لابد من مقارنتها بتضحية العاشقين أنفسهم عندما يضيعون الكثير من وقتهم وتفكيرهم في هذه العلاقة، فهم عندما يفعلون ذلك فإن مردوده الإيجابي يعود لهم مباشرة، إنما العاذل المسكين يفعل ذلك بلا فائدة مباشرة تعود إليه.

قد ينشغل الحبيبان عن حبهما أحيانا، إلا أن العاذل لا تغمض عينه، ولا يرف جفنه لحظة عن ذلك الحب،

قد يغفو الحبيبان بعض الليل، بينما يتورم جفن العاذل من السهد،

العاذل ضرورة برأيي لأي قصة حب، فهو المؤشر الحقيقي على مدى ما تتمتع به قصة الحب هذه من جمال، فكلما اضطرمت نار العاذل دل ذلك على جمال كبير فيها، وكلما خبت ناره، كان ذلك نذيرا للحبيبين ومؤشرا على ما تفتقده علاقتهما من جمال!

كما أن العاذل أيضا يشكل تحديا لذيذا، واختبارا ليس سهلا لقوة مشاعر الحبيبين، لذا لابد من وجود هذا الاختبار حتى لا يعتادا أحاسيسهما فتصبح نسيا منسيا مع مرور الوقت.

لست بصدد البحث عن دوافع العاذل ولا ما الذي يستفزه في رؤية أي قصة حب، وهل السبب هو الحسد أو الغيرة، أو ربما عقدة نفسية نتيجة تجربة شخصية فاشلة أو... أو... ليس هذا ما يعنيني.

إن ما أود قوله هو أن وجود العذول ضرورة ملحة في أي قصة حب، أولاً لأنه يستحق، وثانيا لأن لوجوده أهمية.

فيا أيها الأحباب إذا لم يكن لديكم عذول، فابحثوا عنه، وإذا لم تجدوه... فاخترعوه!