واضح جدا أن الكيان الصهيوني حسبها بشكل خاطئ كثيرا هذه المرة، فقد تحرش بالطرف الخطأ في الوقت الخطأ وفي الظروف الخطأ.

Ad

أقول هذا لأنه من المستحيل أن يكون قد توقع ردة الفعل التركية الغاضبة هذه، وهذه الخسارة الإعلامية الفادحة لصورته دوليا، وهذا التحشيد العالمي ضده والذي أدى إلى قيام كثير من الدول باتخاذ مواقف والخروج بتصريحات شديدة نوعا ما على غير عادتها، كالصين وفرنسا مثلاً، وكذلك إلى إحراج بعض الدول العربية وإجبارها على التحرك «شيئا ما»، كما جرى مع مصر واضطرارها محرجة لفتح معبر رفح المغلق منذ ثلاث سنوات، وأن يقدم هذا الكيان مع ذلك على مهاجمة أسطول قافلة الحرية في المياه الدولية!

أما المفارقة فهي أن من رأوا في المشهد في لحظاته الأولى، عندما اقتحم الجنود الصهاينة تلك السفن، صورة قاتمة ومؤلمة، قد اكتشفوا اليوم أن تلك الأحداث وهذه القافلة، وحتى من دون أن تتمكن من الوصول فعلاً إلى شواطئ غزة، قد تمكنت من فك الحصار عن أهلها وإكساب قضيتهم العادلة جولة مهمة على الصعيد الدولي، جولة لا أستبعد أن تقود إلى كسب جولات أخرى، بل لعلها تكون بداية النهاية.

لكن الأمل الحقيقي هو أن تقود هذه الأحداث، وهذه التطورات، إلى مصالحة فلسطينية فلسطينية، كما دعا خالد مشعل بالأمس في حديثه من صنعاء، وإلى توحيد جبهة الداخل الفلسطيني ضد العدو الواحد، وأن تقود كذلك إلى موقف عربي أكثر صرامة تجاه هذا الكيان الغاصب، بعدما ارتخت كل مفاصل القيادات العربية تجاه هذا الموضوع، وتكاسلت الشعوب.

***

قافلة الحرية، والأحداث التي جرت لها، أثبتت بما لا يدع مجالا للشك، أن الجهود الشعبية، قد صارت قادرة اليوم على تحريك السياسات العالمية، بمعزل عن موافقة الحكومات ورضا الأنظمة.

في الماضي، كان الكلام المتكرر، مثلا، بأننا لا نستطيع أن نقدم شيئاً لقضية فلسطين، مادامت أنظمتنا قد قررت «التخاذل»، فمنعت وصولنا إلى هناك، وأغلقت القنوات الإعلامية في وجهنا، لكن اليوم ومن خلال نموذج قافلة الحرية، اتضح أن الأفراد والجماعات الشعبية، يمتلكون قدرة كبيرة على الخروج من طوق الأنظمة وأسرها، والانطلاق نحو المواجهة بمعزل عن قناعات ورضا هذه الأنظمة والحكومات، وذلك بأشكال كثيرة ومتعددة، ليس من الضروري أن يكون من بينها المواجهة المسلحة أو العنيفة. وكذلك أثبت لنا هذه التجربة كيف يلعب الإنترنت اليوم ووسائل التراسل الإلكتروني دوراً أساسياً، إن لم يكن الدور الأساس، في نقل الصورة الإعلامية، حيث تم استخدام «الفيسبوك»، و»التويتر»، والمنتديات والمدونات، كأدوات شديدة الفاعلية لنقل حقيقة ما يجري، ولحشد التأييد لهذه القافلة، وما عاد الأمر مقصوراً على الوسائل التقليدية، ولا بانتظار رضا الإعلام السلطوي وقبوله لأن يبث ما يسمح به. لقد صار الإعلام اليوم بيد الفرد لا بيد المؤسسات الكبرى كما كان في السابق.

كل المعادلات قد تغيرت، وقافلة الحرية، في تصوري، لو أحسن استغلال نتاجها الإيجابي، ستكون هي الانطلاقة الحقيقية نحو واقع مختلف تماماً في ميزان الصراع العربي الصهيوني.

***

بشع جدا أن يتعامى البعض عن تلك الإيجابيات الكثيرة التي حققتها الكوكبة الكويتية المشرقة التي شاركت في قافلة الحرية من رجال ونساء، سواء للكويت، أو للخليجيين، بل للعرب جميعاً!

كانت الكويت متهمة طوال السنوات الماضية من بعد العدوان العراقي بأنها منكفئة على ذاتها، فصارت اليوم مثالاً على كيف يكون التحرك الحقيقي لنصرة القضية الفلسطينية، وكيف أن الشعب الكويتي لا ينفصل أبداً، مهما حصل، عن واجبه العربي والإسلامي. وكم كان مثيراً للفخر في نفوسنا، ونحن نتابع خبر الكويتيين والكويت يتصدر نشرات الأخبار العربية والعالمية، ويجعل من هذا الشعب وهذا البلد في الصدارة مجددا.

إخواني وأخواتي الكويتيين في قافلة الحرية، اسما اسما، أنتم فخر لنا، ووسام على صدورنا، وما ضركم من يحاول أن يخذل من مساعيكم، فنور الشمس لا تحجبه أذيال الجرذان!