مع كل ساعة تمر على ولاية الرئيس المجدد له محمود أحمدي نجاد تتكرس القناعة لدى القوى الكبرى، وفي مقدمتها أميركا، بأنها خسرت الرهان على إعادة عقارب الساعة في إيران إلى ما قبل الحادي عشر من فبراير من عام 1979، وهي الأحلام التي حاولت بريطانيا العجوز أن تروِّج لها خلال الأشهر القليلة الماضية، بمساعدة من بعض دوائر المحافظين الجدد من بقايا عهد بوش البائد على خلفية اللعب فوق حبال انتخابات الرئاسة الإيرانية الأخيرة بحبائل لندنية بائسة!

Ad

ومنذ محادثات جنيف الثانية، حيث تمكنت طهران من الإمساك بزمام المبادرة فيما يخص ملفها النووي، مروراً بمحطة فيينا التي كرست فيها حقها الشرعي والقانوني في تخصيب اليورانيوم على أراضيها، والعالم كله يترقب المفاجآت الرادعة التي يخبئها نظام طهران تحت عباءته، والتي بات يتحسب لها العالم ويترقبها، ويضرب لها «أخماساً بأسداس» أكثر مما يحسب لخطوات الغرب الردعية المفترضة التي باتت في غاية التشويش والحيرة!

بالمقابل فإن الإمام السيد علي الخامنئي الآن هو من سيقرر نوع الإجابة عن مقترحات الدول الكبرى الأخيرة، لأنه بات هو صاحب القول الفصل في الصغيرة والكبيرة منذ أن قرر أن ينزل بثقله إلى الميدان، ويدير دفة السفينة الإيرانية بنفسه ويرتب البيت الإيراني من الداخل على قاعدة أنه «لا عيش في مدينة ليس فيها سلطان حازم وطبيب عالم وبازار قائم»، مما جعل كل قنوات الشد والجذب تبدأ منه وتنتهي إليه!

وهو الأمر الذي لولاه لما قرر الغرب أن يذعن أخيراً للتعايش مع إيران دولة نووية مقتدرة يتحكم بمطبخ قرارها رجال مقتدرون، هم من نوع متفاوت عمن اعتادت عليهم الدوائر الغربية طوال تعاملها مع دول الشرق القديم والحديث!

ومع ذلك كله لم تنته المعارك بين واشنطن وطهران حتى إن كانت الحرب لم تبدأ بعد، وربما لن تبدأ!

فالضرب تحت الحزام سيظل «شغال» من كردستان غرباً إلى سيستان وبلوشستان شرقاً، مرورا بمحاولات إعادة مشاهد الشغب الداخلية بين الحين والآخر تحت رعاية المسؤول المكلف في معاهد استخبارات واشنطن، منذ عهد السالف بوش إلى الداعية بالتغيير أوباما، لم يتوقف، باعتبار أن واشنطن لاتزال غير مطمئنة إلى إمكان فتح القناة الرئيسة التي تبحث عنها مع رجل إيران القوي آية الله علي خامنئي.

ومن الآن إلى حين التوافق على صيغة ما، تبدو غير واضحة المعالم في الأفق المنظور، رغم تقارير فيينا الإيجابية، سيظل مايكل ليدن يلعب في الوقت الأوروبي الضائع، ولكن مع خلايا مهترئة القوة والحيلة، تماماً كما يظهر زميله جيفري فيلتمان لاعباً بالساحة اللبنانية مع بقايا الخلايا التائهة عن سرب قطيع المحسوبين على الغرب، محاولاً تأخير تشكيل حكومة الوحدة الوطنية ولو ليوم واحد زيادة!

لكن من هو أمامهم في المشهد الإيراني هذه المرة ليس من أولئك الذين يسلمون أوراقهم بسهولة، كما أنه ليس ممن تصلح معه معادلة «العصا والجزرة» البالية التي أكل الدهر عليها وشرب، إنه هو من فاوضهم أمس الأول في جنيف، وهو من فاوضهم بالأمس في فيينا، وهو من ستكون له كلمة الفصل خلال الأيام القليلة القادمة، إنه الإمام السيد علي خامنئي.

ومن يعرف الرجل يدرك تماماً أنه ليس هو من سيتنازل عن مخزون إيران الاستراتيجي من اليورانيوم المخصب بعد أن ثبَّت حق بلاده في التخصيب، كما أنه ليس هو من يعقد «صفقة» مع الغرب يتنازل فيها عن حق الأمة في الدفاع عن لبنان وفلسطين وسائر قوى المقاومة والممانعة والتحرير.

وعليه، فإن جوابه سيكون أمراً بين أمرين أي «نعم ولا»، نعم لمعادلة فيها تكافؤ للفرص والمنفعة المتبادلة، ولا لأي تنازل عن الحقوق أو استسلام لأي إملاءات من أي نوع كان، وعلى رأسها عدم التخلي عن سادة المقاومة الشرفاء.

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي- الإيراني