حتى إذا كان الإيرانيون أوقفوا عدوانهم وانسحبوا من الأرض العراقية، التي احتلوها بالقوة، فعلا فإن ما قاموا به يعتبر انتهاكاً لسيادة دولة من المفترض أنها شقيقة، ويعتبر تأكيداً جديداً على أن إيران لا تحترم الأعراف المتبعة بين الدول المتجاورة، وأنها تسعى إلى اختلاق المشاكل مع الجوار، وتحاول ترسيم حدودها مع هؤلاء بجنازير الدبابات وبالقوة العسكرية الغاشمة.

Ad

لم تعد هناك أي مشاكل حدود بين العراق وإيران بعد إسقاط نظام صدام حسين الذي كان ألغى اتفاقية الجزائر المعروفة بعد انتصار ثورة الخميني على شاه إيران، وبعد أن اعترف النظام الجديد بالحدود التاريخية التي كانت اتفاقية عام 1913 بين طهران وإسطنبول الدولة العثمانية قد رسمتها بعد نزاع طويل، وهذا يقتضي ألا يقوم هذا النظام الإيراني بما قام به، وأن يحترم المواثيق الدولية ولا يعتدي على سيادة دولة مجاورة أصبحت صديقة.

لو أن نظاماً غير هذا النظام هو الذي يحكم في العراق لكان بالإمكان إيجاد مبرر لهذا العدوان الذي لا يمكن تبريره، أما وان في التركيبة العراقية الحاكمة من هو أشد وأصدق التزاماً بـ "الولي الفقيه" حتى من محمود أحمدي نجاد نفسه فإن هذا يؤكد أن إيران تتصرف تجاه الدول المجاورة بالعقلية الفارسية القديمة، وأنها تغلب الدوافع القومية على التزامها بالحسين، رضي الله عنه، وبجعفر الصادق وبكل أئمة المذهب الجعفري الاثني عشري الشريف.

إن هذا العدوان حتى إن تراجعت إيران عنه بالفعل فإنه يجب أن يكون درساً لبعض القوى العراقية المتمذهبة حتى النخاع الشوكي، والتي اعتادت تقديم الولاء للمذهب على الولاء للوطن العراقي، فعلى هذه القوى التي بعضها يجلس فوق ذروة هرم الحكم في بغداد أن تعرف بعد هذا الدرس أن الولاء لذرة تراب في بلاد الرافدين يجب أن يكون مقدماً على الولاء لعمامة الولي الفقيه التي لم تحل دون أن يقوم الحرس الثوري بما قام به وانتهك السيادة العراقية في وضح النهار.

إنه من غير الجائز عربياً السكوت عن هذا الذي قامت به إيران ضد دولة عربية رئيسية، وخصوصا أنها تحتل ثلاث جزر عربية وترفض الانسحاب منها، فالسكوت سيشجع العقلية التي تحكم في طهران على الذهاب بعيداً في أهدنة العرب كلهم حتى بما في ذلك الذين يعتبرون أنفسهم حلفاً وأصدقاء وأبناء عمومة للجمهورية الإسلامية، التي لا تبادلهم هذا الشعور بمثله، والسكوت سيشجع محمود أحمدي نجاد وحراس ثورته على التفكير في غزو الساحل الغربي للخليج إن لم يكن كله فبعضه بحجة التصدي للاستكبار العالمي، والاستعداد للعدوان الذي قد تقوم به إسرائيل ضد المنشآت النووية الإيرانية.

ثم يجب توجيه اللوم، كل اللوم، إلى الولايات المتحدة التي لم تلتزم بما تلزمها به القوانين الدولية، كونها دولة محتلة واجهت العدوان الإيراني على أراضي الدولة التي تحتلها باستهزاء وجبن وتواطؤ مكشوف، وبررت تخاذلها باعتبار أن هذا العدوان مشكلة داخلية بين الدولة الإيرانية والدولة العراقية!

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة