من أوائل القضايا التي واجهت الشيخ عبدالله السالم، كانت قضية الخلافات المحتدمة داخل الأسرة، فالخلافات بين أفراد الأسرة الحاكمة ظلت سمة ملحوظة فترةً تجاوزت القرن من الزمان. فقد يتصور البعض أن الخلافات التي أصبحت حديث الناس، بل وصلت إلى الصحافة والفضائيات هي أمر مستجد. ولربما كان أبرز مؤشراتها في قيام الشيخ مبارك الصباح بقتل أخويه محمد وجراح في نهايات القرن قبل الماضي. ويخبرني تلاميذي أن تلك الحادثة قد تم شطبها من المناهج الدراسية واستبدلت بعبارة "وثب إلى الحكم"، أما كيف وثب، فلا تفاصيل تذكر، فمن المفترض أن تُروى الحادثة التاريخية كما هي.

Ad

ولو قمنا بمقارنة تاريخ المنطقة عموماً لوجدنا الخلافات على الحكم أكثر شراسة ما يجري في الكويت، ففي حين أن الخلافات باتت أمراً متعارفاً عليه، فإن استخدام العنف فيها لا يمثل الظاهرة الموجودة في محيطنا، فخلال ما يزيد على الثلاثمئة عام تم توثيق حادثتين، الأولى للشيخ مبارك، والثانية هي لما اشتهر باسم حرب المالك، التي جرت أحداثها في منطقة أم صدة في مايو 1957، والتي كان ضحاياها نحو 8 أشخاص واعتُقل فيها قرابة 35 شخصا. وحادثة المالك هي من الحوادث الملتبسة التي قد تحتاج إلى تفصيل لاحق.

فباستثناء هاتين الحادثتين، دون تقليل من شأنهما أو تهويل، ظلت خلافات الأسرة تأخذ أشكالاً في الصراع السياسي أو الشخصي أو حتى المالي. وهي لا تختلف في مجملها عن الخلافات الموجودة بين الكثير من الأسر الكبيرة وذوات النفوذ، ولو راجعنا الصراعات التي تشتعل بين فترة وأخرى بين أفراد عائلة كبيرة، والتي يصل شرارها أحيانا إلى الصحف، لقبلنا بمقولة "كما تكونوا يول عليكم". وربما يصح أن أسرة الحكم يفترض أن تكون أقل اختلافاً، ولكنها طبيعة الأشياء، وعلينا أن نتعامل مع أسرتنا الحاكمة الكريمة بخلافاتها كما هي، أملاً أن تتحسن الأحوال.

جاء عبدالله السالم وهو نفسه كان جزءاً من خلاف، حرب باردة، بينه وبين الشيخ أحمد الجابر، ليتعامل مع خلافات أخرى كان أبرزها آنذاك الخلاف المشهور بين الشيخين فهد السالم وعبدالله المبارك. كان واضحاً أن عبدالله السالم قد حزم أمره لحلّ تلك الخلافات، وتهدئة النفوس والخواطر.

في بداية حكم عبدالله السالم وربما إلى بداية عهد الاستقلال كانت "الشيخة" بكسر الشين، تسابق عنان السماء، وكان الشيوخ إلا من رحم ربي، يَسألون ولا يُسألون، فثقافة المشيخة كانت هي السائدة، وهي ثقافة لايمكن أن تستقيم ضمن مفهوم الدولة، بل كادت تلك الثقافة أن تودي بالدستور برمته في 1963 و1964 وقد فعلت فعلها بالتدليس بعد نوفمبر 1965.

ولعل أبرز المشاكل التي تنتجها ثقافة الشيخة، حيث انها تأتي (باكج) كحزمة متكاملة هو أسلوب التعامل مع الناس. فسيارة الشيخ مثلاً تحمل أرقاماً خاصة، أو علمين، وربما لا أرقام، فإن دهستك إحداهن "راحت عليك" و"إذا عطوك الشيوخ مرق حطه بشليلك". ولا يجوز أن يتجاوز مواطن على إحدى تلك السيارات. والأدهى من ذلك هو الحالة المادية لعموم الأسرة، والتي لم تكن في أحسن أحوالها، ما يستدعي الاقتراض من التجار. ويحدث في الكثير من الحالات ألّا يسدد الشيخ المعني قرضه. وبسبب ثقافة الشيخة، وخوف بعض التجار على مصالحهم، وعدم وجود قوانين يعتد بها في مثل هذه الحالات، فقد كان ذلك الأمر يحدث حالة احتقان شديدة. بالطبع لم يكن الأمر ينطبق على جميع الشيوخ، إذ اشتهر الشيخ عبدالله الأحمد والشيخ صباح السالم بأنهما كانا يسددان ديونهما أولاً بأول، وذلك على سبيل المثال لا الحصر.

وهكذا قام عبدالله السالم منذ البداية بتسديد ديون الشيوخ "المعدومة" للتجار وفي ذات الوقت زاد مخصصات مالية لكبار الشيوخ وحتى شبابهم الذين بدأوا تولي المناصب العامة. لاشك في أن مدخلاً من هذا النوع كان يعبر عن استيعاب لعمق المشكلة، ويسعى إلى تخفيف التوترات رأسياً، داخل الأسرة، وأفقياً، مع الناس. فهل نجح في ذلك، أم ظلت مشكلة الخلافات، أماً للمشاكل؟ على أية حال، سنرى.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء